الأربعاء، 29 أبريل 2015

بوابة الأمَل.!

بوابة الأمَل.!

يوسف بخيت الزهراني*

أَعرفُها جيدا: قوية في إيمانها، راقية في أخلاقها، شاملة في ثقافتها، بهيّة في حضورها. من المؤكد أنها قرأت أو تقرأ أو ستقرأ هذا المقال، لذلك لا أستطيع أن أسبّب لها أوجاعاً فوق أوجاعها، سأحاول الكتابةَ عن الجانب المشرق في حياتها، وهو يستأثر بالمساحة العُظمى من حياتها الزاخرة بكل جميل.!
أملي أن أكتب ما تستحق، لأنها جديرةٌ بالتقدير والشدّ على يدها، حتى تتمكّن من إكمال دربها، الذي لا يخلو من العوائق.
هكذا أراها أنا، تعاني من حياتها وظروفها، أما هي فتنفجر ضاحكة حين أسألها عن شعورها، تجاه ما يحدث معها من غريب المواقف والأقدار.
لقد اخترتُ أن أصِفها ببوابة الأمل، وهي صفة تنطبق عليها بشكل كبير، ولعلكم توافقوني حين تقرؤون السطورَ القادمة.
ودّعتْ بطلةُ حكايتنا زوجَها، بعد سنين طويلة من الزواج، وبعد وفاة زوجها - رحمه الله - بأسابيع، أنجبتْ طفلا لم يعش سوى أيام معدودة.
في إحدى غُرف منزلها تطبّب عمَّها ووالد زوجها الراحل، وعمها شفاه الله، به الكثير من الأوجاع التي تجعل حالته الصحية شديدة الصعوبة، وفي غرفة أخرى من المنزل تلاعب أطفالها وأطفال إخوانها وأخواتها، الذين يأتون إليها لأسباب اجتماعية متنوعة.
نعم، هي بوابةُ الأمل، تودّع أرواحاً وتستقبل أخرى.
لها مع الموت أكثر من قصة، ولها مع الفراق حكاياتٌ طويلة موجِعة، لكنها تكتسي بالإيمان والصبر، حتى لا تنكشفَ للناس عورةُ أوجاعها، ولا تفضح للقريب والبعيد ما خفي من أسرار قلبها، المليء بهموم تشكوها لخالقها تعالى دون سواه.
تنقل خطواتها وتقضي وقتها كالنحلة، بين مريض أعياه المرض، وباتت أيامه القادمة أقل من أيامه الماضية، وبين أطفال يخطون خطواتهم الأولى في رحلة الحياة، فما أعجَب أمرها، وما أغرب حكايتها.!
تجلس مع المريض الذي لا يكاد يشعر بوجودها، وبالكاد ينطق بضع كلمات، وإن نطق فهو يسأل عن الزمن الذي يتضاءل منه شيئاً فشيئا، ويسأل عمّن جاء لزيارته من أبنائه وبناته، المشغولين بحياتهم الخاصّة عن رؤية ورعاية أقرب الناس إليهم.
ثم تنتقل إلى مجالسة الأطفال، النابضين بالحياة والبهجة والنشوة، تسألهم عن مدارسهم، وتساعدهم في مذاكرتهم، وتتحدّث معهم عن أحلامهم، بل وتشاركهم لحظات مرحهم، وكأنها طفلة في سنهم.
هي تفعل كل ذلك بنفْس راضية وقلب منشرح، ومع هذا ترى أن لديها وقت فراغ تقوم فيه بالقراءة والكتابة، وتعلّم مهارات جديدة تنمّي بها جوانب مختلفة من شخصيتها.
هذه الإنسانة الرائعة صاحبة العطاء الفيّاض، ليست وحيدةً في ظروفها، فهناك كثيرون يشبهونها من الرجال والنساء، الذين يمنحون الحُب ويبذلون المعروف، دون أن ينتظروا حتى كلمة شكر من الطرف المقابل، بل يفعلون كل ذلك ولسان حالهم يردّد الآية الكريمة: "إنما نطعمكُم لوجهِ الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا".

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.
ــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عِبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < للعودة للمقالات السابقة.
ــــــ
للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــ
التعليق على المقال من جهاز الكمبيوتر الشخصي
(اللاب توب)
أسهل منه عن طريق الجوال.
نكتب في جوجل:
مدونة يوسف الزهراني
ثم نختار النتيجة التي تظهر بها آخر 6 مقالات مضافة، نفتح المدونة، ثم نختار أحدث مقال،
وننزل أسفل المقال لإضافة التعليق.
طريقة التعليق هكذا:
الذهاب تحت المقال
ثم نختار: إرسال تعليق
ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم لاختيار ملف التعريف،
ومنها نختار: مجهول
وربما نضع علامة صح في مربع صغير،
أو إدخال رمز بحروف إنجليزية،
ثم: نشر.
شكرًا للجميع.

هناك 13 تعليقًا:

  1. يوسف بخيت الزهراني كاتب المقال
    الباحة - المملكة العربية السعودية

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أهلاً وسهلاً بكم جميعا إلى موعدنا الأربعائي الذي يفوحُ شذىً بتواصلكم.
    مقال هذا الأربعاء قصة حقيقية، من هذه الحياة، التي نعيشها بكل تفاصيلها المفرحة والمؤلمة.
    وكم فيها من قصص عديدة يتعدّد أبطالُها، وتتنوع أزمنتها وأحداثها.
    فهنيئاً لكل السعداء، وهنيئاً لكل الصابرين المتفائلين.
    وهنيئاً لأصحاب العطاء بلا انتظار مقابل.
    أما السيّدات والسادة المتشائمون، فهذه دعوة لهم ليبحثوا بين عن بصيص النور، ويتفاءلوا بالخير من ربٍ كريم.
    الذي قال سبحانه وقوله الحق:
    ﴿وإذا سألكَ عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيبُ دعوةَ الداعِ إذا دعان..﴾.
    فأحسِنوا الظن والعمل، وكونوا نوراً وضياءً أينما حللتم.
    محبّتي واحترامي لكم، وشكري المتجدّد على دعمكم لي وكرم أخلاقكم معي.
    في حفظ الرحمن، والسّلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
    يوسف

    ردحذف
  2. محمد عبدالعزيز - مكة المكرمة

    كتابات مبدعنا الكبير الأستاذ يوسف الزهراني تخاطب العقول والقلوب والأرواح.
    وفي هذا المقال: بوابة الأمل
    نلاحظ ذلك بشكل إنساني عميق.
    فالكاتب الحقيقي هو الذي يلتقط حكايات الناس، الذين يعيشون بعيداً عمن قد يعينهم على ظروفهم الصعبة، أو يشكرهم على ما يفعلونه من خير للآخَرين.
    وهنا تظهر عبقرية الكتابة وعُمق الإحساس عند الأستاذ يوسف، الذي يعبّر عن أفراحنا وأحزاننا بكل صدق وأمانة.
    شكرًا جزيلا لكَ يا أستاذ يوسف
    ودام قلمك الرائع مسطّراً لصافي المشاعر الإنسانية.

    ردحذف
  3. د. محمد الفرحان - الظهران

    مرحبًا بكَ أستاذ يوسف
    أتابع مقالاتك الوجدانية باستمرار، وربما تشغلني بعض الظروف عن إضافة تعليقي على ما تكتب.
    لكن القُراء لمقالاتك ينوبون عنّي في روائع تعليقاتهم، ويوجهون لك عِبارات الشكر والإطراء التي تستحقها وأكثر، بما تلامسه في دواخلنا من بديع ما تكتب، فمقالك اليوم شلّالٌ من الشعور الإنساني تجاه إنسانة بذلت الكثير وضحت من أجل الغير كما تفضلتَ في مقالك.
    ما أرقى إنسانيتك وأنتَ تدخُل إلى قلب تلك الإنسانة وتعبّر عما بداخله من صادق الإحساس.
    ويشرفني أن أتقّدم نيابةً عنها بالشكر الجزيل لحضرتك.
    وذلك عن كل كلمة كتبها قلمُك في هذا المقال الفريد.
    أطيب أمنياتي لك بمزيد التوفيق.

    ردحذف
  4. هند سامي - القاهرة

    كم في الحياة من قصص ومواقف، تستحق أن تُروى.
    وقلم الأستاذ يوسف الزهراني من الأقلام الوجدانية
    التي تحسّ بمعاناة الناس وتنقلها بكل أمانة.
    فشكرًا جزيلا لحضرته على الشعور النبيل.

    ردحذف
  5. فيصل محمد - الكويت

    (هذه الإنسانة الرائعة صاحبة العطاء الفيّاض، ليست وحيدةً في ظروفها، فهناك كثيرون يشبهونها من الرجال والنساء، الذين يمنحون الحُب ويبذلون المعروف، دون أن ينتظروا حتى كلمة شكر من الطرف المقابل)
    نعم أستاذ يوسف، الدنيا مليئة بالناس الذين يقدمون التضحيات من أجل غيرهم.
    أحسنتَ وأبدعتَ فيما كتبت، أتمنى لك استمرار التوفيق
    بإذن الله تعالى.

    ردحذف
  6. ملك /جده

    نحن عندما نعطي ..في الواقع لا نعطي .. ولكننا نأخذ ..نأخذ تلك المشاعر الجميله ممّن أمددناهم بعطائنا فنسقي بها عطش قلوبنا لترتوي من ذلك الفيض ..فيض العطاء بكل حب وسعاده

    بارك الله بحرفك الذي ينهمر من فكر انساني رائع ناضج.. فقد أثريت قصة العطاء الانساني بعطائك المتميز الوجداني ..
    فمثلك يفهم روح العطاء ويقدره لانه من تكوينك وصميم قناعاتك ..طبعك الذي تقدمه للجميع بكل رضى وتسعد به ..لقد ارتقيت ببراءة حروفك إلى علو المعاني والجمال الانساني ..رائعه هي كلماتك كروعتك ...ودائماً تأتينا بكل ما هو جميل ورائع..
    أفخر بنفسي كمتابعة دائمة لمقالاتك الثريه بالاحرف الراقية التي تعيش في أعماقها كل المشاعر الصادقه.
    لك تحيه من صميم القلب وبالتوفيق الدائم يارب.

    ردحذف
  7. خالد المطيري - الرياض

    راااااائع يا أستاذ يوسف
    أحسنت وأبدعتَ في هذا المقال الإنساني
    هنيئاً لنا بقلمك الجميل
    احترامي ومحبتّي لك ♥♥

    ردحذف
  8. يوسف عبدالكريم /جده

    سماء من الروعه والعطاء
    يدهشك ماتراه من أثر عطاءها
    فيكفيها سعاده أن اعطت ولم تحرِم..
    لم يجبرها أحد ولم تطلب الثناء من أحد ولم تنتظر المقابل من أحد
    فقط لأن العطاء طبيعتها تبتغي به رضى خالقها وترى فيها أعظم لذة وسعادة!
    استاذ يوسف ..رآئع ما أجده بين سطورك من تلاحم سمو الانسانيه مع جمال الحرف وروعته
    فمثلك يترك في النفس أطيب أثر.
    مع خالص تقديري واحترامي وبالتوفيق دوما.

    ردحذف
  9. عبير - قطر

    الإبداع.. الإنسانية.. الإحساس الراقي
    وغيرها كثير من الصفات الرائعة
    تجتمع في كاتبنا ومبدعنا الكبير
    الأستاذ يوسف الزهراني
    فشكرًا جزيلًا لحضرتك
    وواصل عطاءك وإبداعك♡♡

    ردحذف
  10. كم هو مر طعم الفقد وكم هو موجع الإحساس بالوحدة
    أتمنى لو كنت بقوة السيدة التي تبتسم بوجه الأحزان ..العطاء خصلة حميدة وصدقا حين نمنح الإبتسامة نرى أثرها علينا قبل من تلقاها
    ولكن حين تتراكم عليك الهموم والابتلاءات قد تفقد القدرة على التنفس حتى فكيف بالعطاء ، كيف يمنح الأمان من يشعر بالخوف ، كيف يمنح الشبع من عاش حياته جائعا أليس فاقد الشيء لا يعطيه

    ردحذف