الأربعاء، 1 أبريل 2015

وما أدراكَ ما الحَنين؟!

يوسف بخيت الزهراني*

وما أدراكَ ما الحَنين؟!

 تنتاب الإنسان مشاعر لا منتهية، ما بين الفرح والحُزن، والرضى والغضب، ويتنقّل مركبه المهتز باستمرار، في بحر تلك المشاعر، بحسب اتجاه رياح الحياة، ويبقى يمسك بمجاديف الأمل، محاولاً الإبحار نحو جزيرة أحلامه، رافعاً شراع التفاؤل مهما اشتدت الأنواء، مراقباً بوصلة مشاعره، متقدماً - بكل جهد - في طريق السعادة، وإن طالت الرحلة وزادت المشقّة، وعلت الأمواج.!
كم أحنّ إلى بيتنا القديم، المحدود بغُرفه ومساحته، كم أشتاق لتلك الحكايات العذبة بصوت أمي، وكم أحنّ إلى صوت أبي رحمه الله، معاقباً وناهياً عن سوء سلوك، كم أحنّ إلى ألعابي البسيطة مع أشقائي ورفاقي، كم أحنّ إلى ذلك الطين الذي كنا نلعب به بعد هطول الأمطار؛ فترتسم على وجوهنا وثيابنا لوحات سوريالية، تبعث أحدنا على الضحك من صاحبه، وما علم أن ذات اللوحات مرسومة على وجهه وثيابه هو الآخر.!
حتى المسافات التي نقطعها بين البيوت، كانت دروباً من البهجة المتكررة، نفرح كثيراً ونحن نسلكها في اليوم الواحد عدة مرات، ذهاباً وإيابا.
سأعود للحديث عن الحنين للمطر، فهطول الأمطار في قريتي الجنوبية، مهرجانٌ شامل للسعادة والحياة.
ولا يغادر مخيّلتي منظرُ قوس قزح، إذ كانت تختلط مشاعر فرحتي برؤيته، مع مشاعر حُزني بالعجز عن الإمساك به أو تسلّقه.!
كم كنت أغبط الطيور، وهي تغتسل بمياه الأمطار، ثم تنفض الماء عن ريشها، في رقصة انتعاش وانتشاء بالحياة المتجدّدة بنزول الغيث.
وفي عالَم المَدرسة، يأخذني الحنين بعيداً بعيدا، إلى سنوات الطفولة المبكّرة، وبداية العهد بالأبجدية التي فتنتني بجَمال حروفها، وسحرتني بروعة معانيها، واستمرت تلك الفتنة وذلك السِّحر، حتى هذه اللحظة من عُمري.!
ولن أنسى ما حييت، وجوه المعلمين الذين تركوا في عقل ذلك الطفل وقلبه، أثراً إيجابيا لا تزيله عوامل تعرية الزمن.
يا الله، كم حاكيتُ شكل خطّ أحدهم، وكم قلّدتُ طريقةَ الآخر في القراءة، ومشيتُ كمشية الثالث.!
بل إن الحنين أخذني ذات مرة لرائحة أحد العطور، التي اقتنيتُها منذ سنوات طويلة، ويا لسعادتي حين بحثتُ عنه فوجدتُه.!
كلما مضى يومٌ من حياة المرء، اشتاق لأمسه، وإذا انقضت مرحلة، حنّ لسابقتها، فهل من تفسير لذلك الحنين؟!
يبدو أن الأمر لا يخلو من أُحجية نفسية، تخفى تفاصيلُها حتى على المهتمّين بدراسة عِلم النفس والسلوك البشري.
هل نحن خائفون من غدنا، ولأجل ذلك يأخُذنا الحنينُ لأمسنا؟!
أم أن هذا الحنين ليس إلا رغبةً واشتياقاً لتكرار تلك اللذة، التي عشناها وعايشناها، في مرحلة عُمرية ماضية من حياتنا؟!
يبدو أن التساؤلات بدأت تتراكم وتتزايد، ذلك أن الحديث عن الحنين حديثٌ طويلٌ مشوق، لا يخلو من الحنين أيضا.!
فخذوا هذه التساؤلات وفكّروا فيها، لعلكم تجدون إجاباتِها في أعماق ذكرياتكُم، وما مضى من سنين حياتكُم.!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.

للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.

هناك 18 تعليقًا:

  1. يوسف بخيت الزهراني ـ كاتب المقال
    الباحة ـ المملكة العربية السعودية

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أهلاً بجميع القُراء الكرام والقارئات الكريمات
    هل تعتقدون أن ٤٠٠ كلمة، وهي عدد كلمات مقالي أعلاه، كافية للتعبير عن هذا الموضوع المشوق، وهو موضوع الحنين؟!
    الجواب بالطبع: كلا.
    فكيف يختصر الإنسانُ حنينَه وذكرياته في هذه الكلمات المحدودة؟! لكنها مجرد ومضات سريعة، أحسبُ أنها حرّكت لديكم الكثير والكثير من الحنين لزمنٍ مضى وعُمرٍ انقضى.
    دامت أوقاتكم عامرةً بالخير والذكريات الطيبة، لكم محبتي واحترامي، وأملي أن تكون كلماتي لامست وصنعت أموراً إيجابية في داخل كل واحد منكم.
    وإلى لقاءٍ قريب.
    أسعدوني بتعليقاتكم ولكم شكري الجزيل.
    يوسف

    طريقة التعليق على المقال هكذا:
    الذهاب تحت المقال
    ثم نختار: إرسال تعليق
    ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
    ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم
    ومنها نختار: مجهول
    وربما نضع علامة صح في مربع صغير
    أو إدخال رمز بحروف إنجليزية
    ثم: نشر.

    ردحذف
  2. محمد عبدالعزيز ـ مكة

    الأستاذ المحترم يوسف الزهراني
    لك التقدير والاحترام على هذا الإبداع المستمر
    والعطاء المتواصل، أنا أحد متابعيك، وأستفيد وأستمتع كثيرا بما يكتبه قلمك الرائع
    شكراً جزيلاً لك

    ردحذف
  3. هند محمود ـ القاهرة

    حضرة الأستاذ المحترم يوسف الزهراني
    الكاتب الجميل، المحلّق بنا في سماوات الوجدان وعالَم الصدق والصفاء، مقالاتك تعبّر عن حالتك الإنسانية الرائعة، وإحساسك يصل للقارئ بإنسانية عذبة ورقي متفرد.
    لك كل الشكر والتقدير.

    ردحذف
  4. فيصل المرزوق ـ الكويت

    أهلاً وسهلاً بالأستاذ يوسف
    كم ننتظر مقالاتك
    وكم أنتَ منعش لأرواحنا بكتاباتك العذبة
    أنتَ مبدع حقيقي تستحق الاحترام والمتابعة
    وفقك الله للأجمل دائما

    ردحذف
  5. يُسرا بنت عبدالله ـ تونس

    الأستاذ يوسف الزهراني
    إنسانٌ رائع، يفوق الوصف بجَمال روحه
    وكلماته الصادقة ساحرة للقلوب والعقول
    كم نحتاج مثل قلمك يا كاتبنا الحبيب
    حتى تطيب القلوب العليلة وتشفى الأنفس السقيمة
    فكلماتك بلسمٌ يداوي، ونورٌ يشرق بالضياء والأمل..

    ردحذف
  6. ملك - جدة

    حين تختلج العقول لماض جميل وأيام خلت من حياتنا، لا يبقى لنا إلا ذكريات كتابنا نتصفحه كل يوم ونتمنى لو أن سطوره مكتوبة بقلم الرصاص، لنضيف لمسات الفرح ونزيل شوائب الفشل والأحزان!َ
    لكن الحياة أبت إلا أن تجعل صفحات كتابنا مكتوبة بحبر نستطيع قراءته ولا يمكننا تعديله.!
    ما أجمل تلك المشاعر التي خطها لنا قلمك الجميلى أيها الراااائع
    هنا في جولة رائعة، وبين أسطر مقالك سأكتفي بتسجيل انطباع يدور ببالي كلما ولجت محيط حرفك، وهو أنك عنوتن للإبداع.!
    في انتظار جديدك الأروع والمميز دائما
    لك مني لأجمل التحايا
    وكل التوفيق يارب.

    ردحذف
  7. خالد عبدالله - الرياض

    مقالات الأستاذ يوسف بمنتهى العذوبة والصدق والخياااال
    أسلوبه عجيب في شد انتباه القارئ
    لآخر كلمة.!!
    فعلا أنت سفير للأمل يا أستاذ يوسف
    تحياتي لك

    ردحذف
  8. سامية - تبوك

    الله عليك يا أستاذ يوسف
    كلماتك تدخل القلوب بلا استئذان
    ما شاء الله لا قوة إلا بالله
    شكري وتقديري لحضرتك

    ردحذف
  9. فواز محمد - المدينة المنورة

    أنا أقرأ الكثير من المقالات، لكن وبكل أمانة فإن الأستاذ يوسف الزهراني
    محسوب ضمن القلة المبدعة، في روعة أفكاره وتميز أسلوبه
    شكرا جزيلا أستاذي

    ردحذف
  10. حمد خليل - البحرين

    أتابع كتابات الأستاذ يوسف الزهراني
    بكل سعادة وسرور
    وأقوم بمشاركة مقالاته مع كثير من أصدقائي
    الذين يتفقون على إبداعه اللا محدووود
    بالتوفيق أستاذ يوسف

    ردحذف
  11. فادي الخوري - بيروت

    إذا كان لعبقرية الكتابة عنوان فهو الأستاذ المبدع يوسف الزهراني
    كل حرف في مقالاته ينبض بالحياة والحب والبهجة
    كم أتمنى وأنا أقرأ له أن لا ينتهي المقال.!
    وأعتقد بأن هذا الكاتب العبقري لديه أكثر وأكثر
    لكن مساحة الكتابة تحاصره
    ومع ذلك يبقى صاحب الصوت الأعذب
    والمغرد خارج السرب بإبداع دائم

    ردحذف
  12. عبدالرحمن سالم - الطائف

    يا سلام عليك يا أستاذ يوسف
    كل مقالاتك تنبض بالشوق والحنين والإحساس
    ومن أربعاء إلى أربعاء ننتظر إبداعاتك
    وحتى تغريداتك في تويتر متميزة بروعة الاختيار
    لك مني تحية خاصة
    ومحبة صادقة

    ردحذف
  13. عبير - قطر

    الله الله الله
    الأستاذ يوسف
    إبداعك بلا حدود
    حتى عندما أنتهي من قراءة مقالك الجديد أعود لقراءة مقالاتك السابقة
    الموجودة هنا بمدونتك الأنيقة..
    شكرا لصحيفة مكة الورقية التي عرفتنا على قلمك الرائع
    مع تمنياتي لك بالأجمل دائما دائما

    ردحذف
  14. فهد المالكي - الرياض

    مقالات الأستاذ يوسف الزهراني
    هي السهل الممتنع.!!
    عندما نقرؤها نشعر بسهولة وسلاسة في العبارات
    وفي نفس الوقت، المعاني عميقة جدا
    وتعبر عن مشاعر الإنسان بطريقة صادقة ومذهلة
    هذا هو الكاتب المبدع فعلا
    ما شاء الله لا قوة إلا بالله
    بالتوفييييييق أستاذ يوسف

    ردحذف
  15. وما ادراك ماالحنين .. العنوان بحد ذاته يبعث الحنين من شتات تلك السنين ليبعث فينا احساس جميل

    شكرا لك اخي الغالي ابو خالد ابدعت وليس بمستغرب

    دمت لنا ودام قلمك

    عمادالضويحي - الرياض

    ردحذف
  16. جوهرة - تبوك

    الحنين مجرم محترف، يتمرد علی كل القوانين ويسطو علی قلوبنا بكل احتراف.
    فهو يتسلل لقلوبنا في اي زمان ومهما بلغت بنا المكابرة فلا نستطيع ان نتجاوز الحنين، ولا يعرف معنی الحنين الا من ذاق مرارة البعد وقسوته.
    ويبقی اجمل احساس واجمل حنين هو الحنين لايام الطفولة البريئة
    ما شاء الله لا قوة الا بالله
    بالتوفيق استاذ يوسف، فعلا انت مبدع!

    ردحذف
  17. محمد الفارسي - جدة

    الحنين وما أدراك ما الحنين؟!
    عنوان المقال لوحده يختصر عبقرية الأستاذ يوسف في الكتابة
    بكل صدق، التميز في مقالات كاتبنا الكبير لا يختلف عليه اثنان
    دعواتي لك بكل خير وتقدم

    ردحذف
  18. شركة سيرفس تاون أفضل شركة متخصصة فى مجال مكافحة ورش الحشرات وتنظيف المنازل والتنظيف بالبخار وتنظيف وعزل الخزانات العلوية والارضية وكذالك نقوم بنقل وتخزين العفش والاثاث فى مدينة جدة
    شركة مكافحة حشرات بجدة
    شركة تنظيف خزانات بجدة
    شركة تنظيف بالبخار بجدة
    شركة تنظيف بجدة
    شركة نقل عفش بجدة

    ردحذف