الأربعاء، 25 مارس 2015

اِسأل رُوحَك.!

اِسأل رُوحَك.!

يوسف بخيت الزهراني*

تأخذُنا دروبُ الحياة صُعوداً وهبوطا، ونمضي في طُرقاتها، معتدلين تارةً ومتعثّرين أحيانا، وكم اختزنت الذاكرةُ من مواقفَ وذكريات، وكم حفظَتْ من أسماء وعرفتْ من وجوه، منهم من رحل عن دُنيانا، ومنهم من أشغلتْهم عنّا وأشغلتْنا عنهم، همومُ الحياةِ وتفاصيلُ العيش.
وفي زحمة تلك العلاقات والصداقات، تقعُ الأخطاءُ وتَحدُث الهفوات، ربما جهلاً وسهوا، وربما حماقةً وعمدا.!
ومع مُنعطَفات السِّنين والشهور، نتفاجأ - أو هكذا نشعُر - بفقدان أحد الأصدقاء، ثم نهرع للبحث عن رقم هاتفه والاتصَال به، ويدورُ حوارٌ قصير، هو في الغالب من هذا النوع:
المتصِل: كيف حالُك يا صاحبي؟ ما هذا الجَفاء؟
الصاحب (يردّ ببرود): أهلاً بك، دُنيا وظروف.
لكن بصراحة، الجفاءُ منك، لأنّك لا تتصل ولا تَسأل.!
ثم يَردُّ الأولُ على الثاني بذات التهمة، وربما يتحدّثان لدقيقتين أو ثلاث، ثم تنتهي المكالَمة، وتعودُ دورةُ الجفاءِ للتكرار.
كلُّنا مَررنا بتلك المُكالمة الروتينية، فمن يا ترى هو على حق من الصّديقَين؟!
برأيي، إن الظروف التي يتحجّجُ بها الكثيرون، لها حقيقةٌ نعيشُها جميعا، فكلٌ منا بهمومه ومشاغله، التي لا تنتهي ولن تنتهي، ودليلي قول الشاعر:
تموتُ مع المرءِ حاجاتُهُ
وتبقَى لهُ حاجةٌ ما بَقي
وبناءً عليه، لا بد أن يَعذُر أحدُنا أخاه وصاحبَه، ويلتمسَ له بدل العُذر سبعين عذرا، كما جاء في الأثر.
وقناعتي أن الصديقَ الذي يبادرُ بالاتصال والسؤال، له الفضلُ والتقدير، وعندما نردُّ على اتصاله، فواجب الصداقة يُلزمنا  أن نُسمِعه عباراتِ الشكر ومعاني الامتنان، وليُحاسبْ أحدُنا نفسَه قائلا: لماذا لستُ أنا الذي تقدّم واتصل؟! فأكونُ بذلك نلتُ الفضل، والمقام الرفيع عند الله تعالى ثم عند خَلقه.
يقولُ الشاعر:
ولو قَبْلَ مَبكاها بَكيتُ صَبابةً
لكُنتُ شَفَيتُ النفسَ قبلَ التندُّمِ
ولكن بكتْ قبلي فهيّجَ لي البُكا
بُكاها، فكان الفضلُ للمتقدِّمِ.!
ومن هذا الموقف، يمكننا الانطلاق لمواقف مشابهة لا حصر لها، تحدُث بين الأشخاص والعائلات، فهذا يقول: لا أُصالحه وأتنازلُ عن كرامتي، ونسي أو تناسى: "فمن عفا وأصلحَ فأجرُه على الله".
وتلك تقول: لا نزورهم حتى يزورونا، وجهِلتْ أو تجاهلَت: "فهل عَسيتُم إن تولّيتم أن تُفسِدوا في الأرضِ وتُقطِّعوا أرحامَكم".
ويا للعَجب، حين ينطلقُ أحدُنا واعظاً لوّاما، وليتَه بدأ بنفسِه فنهاها عن غيّها، عندها يُصبح قدوةً لغيره، بسُلوكه القَويم.
يا أيُّها الرجلُ المُعلِّمُ غيرَهُ
هلّا لنفسِكَ كان ذا التعليمُ؟!
تصِفُ الدواءَ لذي السِّقامِ وذي الضَّنى
كيما يَصِحُّ بهِ وأنتَ سَقيمُ
ابدأ بنفسِكَ فانهَها عن غيِّها
فإذا انتهتْ عنهُ فأنتَ حكيمُ
فهناك يُقبَلُ ما وعَظْتَ ويُقتَدى
بالقولِ منكَ ويَنفعُ التعليمُ
لا تنهَ عن خُلقٍ وتأتي مثلَهُ
عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ.!
أيها الكرام والكريمات، اسألوا أنفسَكم وحاسِبوها،وإنّي معكم لِنفسي من المُحاسِبين.

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
(يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم).

للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.

هناك 9 تعليقات:

  1. يوسف بخيت الزهراني ـ كاتب المقال
    الباحة ـ المملكة العربية السعودية

    السلام عليكُم
    حيّاكم الله جميعا
    كم أنا سعيد بوجودكم وتواصلكم.
    هناك مواضيع لا تكفي الكتابة عنها في عدة سطور، ولعلّ محاسبة النفس أحد تلك المواضيع.
    وهو ما حاولتُ أن أقوله لكم في مقالي أعلاه.
    كلي أمل أن يكون التوفيق قد حالفني، وأنّي أعطيتُ الموضوعَ ما يستحقه من الاهتمام.
    وليتني أنجح في محاسبة نفسي أولاً، ولستُ ـ والله ـ لا شيخاً ولا واعظاً، إنما هي ذكرى لنفسي أولا، ثم لحضراتكم جميعا.
    طابت أوقاتُكم، والسّلام عليكم.

    طريقة التعليق على المقال هكذا:
    الذهاب تحت المقال
    ثم نختار: إرسال تعليق
    ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
    ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم
    ومنها نختار: مجهول
    وربما نضع علامة صح في مربع صغير
    أو إدخال رمز بحروف إنجليزية
    ثم: نشر.

    ردحذف
  2. فارس محمد ـ مكة المكرمة

    ويستمر صاحبنا الأنيق الأستاذ يوسف الزهراني
    سفير الأمل، مبدعاً ومتجدداً في طرحه
    كما نقرؤه في كل مرة، وها هو يكتُب اليوم مقالاً بالغ الأهمية، فلا شك أن محاسبة النفس أمر مهم جدا، وقد أوصل مبدعنا الفكرة بأسلوبه الفريد، بعيداً عن الوعظ المكرر..
    شكرًا جزيلا يا أستاذ يوسف.

    ردحذف
  3. أحسنت وأصبت الواقع المرير الذي نعيشه بحجة من لا حجة له

    ردحذف
  4. أسماء محمود ـ القاهرة

    حضرة الأستاذ يوسف تحياتي وتقديري
    أودّ أن أشكرك على روعة أسلوبك وجَمال أفكارك
    وحُسن اختيارك لمواضيعك، أتابع كتاباتك باستمرار، كما أتابع حسابك في تويتر yba13@
    أتمنى لك المزيد من العطاء والإبداع
    وأنتَ مكسب كبير لصحيفة مكة الورقية، ومكسب لكل من يقرأ لك، فهو سيجد في مقالاتك المتعة والفائدة.
    شكري الجزيل لحضرتك.

    ردحذف
  5. من ابداع الى ابداع كل يوم اربعاء نتشوق لما تكتب لنا
    وفقك الله

    ردحذف
  6. خالد الفرج ـ الكويت

    الله عليك يا أستاذ يوسف
    مهما أكتب ومهما أقول عن روعتك فلن يكفيني الكلام.
    أنا من الحريصين على قراءة مقالاتك
    وأتابع حسابك الثري في تويتر
    وأستطيع أن أصفك بكلمة واحدة فأقول:
    أنتَ عبقري
    ما شاء الله لا قوة إلا بالله

    ردحذف
  7. بخيت شداد - جدة

    لا تنهَ عن خُلقٍ وتأتي مثلَهُ
    عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيم!

    اصبت .. ابدأ بنقطة البدء وليس المنتصف العقيم!
    موضوع مهم كتب بأسلوب شيق .. بوركت.

    ردحذف
  8. عاصم آل حاني _ مكة
    ابدعت وابدعت فما من كلمة توصف ابداعك استاذ يوسف .
    مقال في غاية الاهمية فطرحته باسلوبك المعروف فانت فخر وانت تاج على الرأس واتشوق لقرأة مقالك القادم .

    ردحذف





  9. اسعد الله صباحك بكل خير
    ومازلت عذبا كما انت

    عندما اشاهد مقالاتك استذكر زمن مضى عليه 15 عاما
    كنا حينها سويا على مقاعد الدراسة الجامعيه يالها من ايام جميله

    اغمض عيني وابتسم
    ولكني اكره تلك الابتسامات التي تجر معها انصاف الدموع


    الحنين متعب جدا على الاقل بالنسبة لي

    &&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

    الهتني عنكم الدنيا وياليتها تلهيني
    كي لا استفيق
    ايتها الايام القصيره
    اشغليني بي ....وبمن حولي واتركي عني كل بعيد ........ النسيان نعمة فلما تذكريني بهم ?? ام انك مشتاقة الى سماع تناهيد البكاء وانفاس الغريق. ....
    او ربما تعجبك الذكريات ??? وما علمتي ان بعض الذكريات اشبه بالحريق

    دعيني لما تبقى مني ......
    دعيني فربما اكون يوما سعيد ....

    ردحذف