السبت، 13 فبراير 2016

أَحِبُّوا أَنفُسَكُم

يوسف بخيت الزهراني

أَحِبُّوا أَنفُسَكُم *

الشائع بين الناس عن الشخصِ الأناني أنه المحب لنفسه، وهذا تضييق خاطئ لمفهوم حُب الذات، ولستُ في حاجة هنا لإيضاح معنى الأنانية، لكن هل مِن الخطأ أنْ يحب الإنسانُ ذاتَه؟! وبما أنّي أعشق الفلسفة، فسأنطلق في السطور القادمة لمحاولة الإجابة عن السؤال السابق.
حُب الذات يا أعزائي لا يعني الأنانية، أو العزلة النهائية عن الناس، بل إنّ المحبّ لنفْسه والمتسامح معها، يفيض محبةً على الآخَرين، ويسعَد بمشاركتهم لحظاتهم الحزينة والسعيدة، أما الشخص اليائس والمحبَط فإنه كاره لنفسه، لتوهمه أنه في ظلام، بينما كلّ ما حوله نور وأمل.
إذا أحبَبنا أنفسَنا أحببنا غيرَنا، فالسلام والصفاء يبدأ مِن داخلنا، ثم ينتشر ويشعّ رحمةً ونورًا وسعادةً تغمر القريبَ والبعيد، ويهطل غيثُ المشاعر على قلوب أضناها هجيرُ الفراق وآلام الحياة، فتنبت زهورُ الأمل وتورقُ رياحين التفاؤل.
عند ركوبنا الطائرة، نشاهد تعليمات السلامة في حالة الطوارئ لا قدّر الله، ونلاحظ الإشارة إلى ضرورة وضْع قناع الأوكسجين لأنفسنا أولاً، ثم وضعه لأطفالنا بجوارنا، فهل هذه أنانية؟! كلا، بل هي تأكيد على أنّ مساعدة أحدِنا لنفْسِه، تؤهله بقوة لمساعدة غيره.
في حوار لطيف ظريف خفيف مع صديق، قال لي: في كلامك تناقض واضح، فكيف تحب نفسَك، وتزعم أنك تحب أحبابَك وأصدقاءك؟ أجبتُه: يا صديقي الأثير، أنتَ تتحدث هنا عن قِصتين للحُب، بينما لا توجد إلا قصة واحدة، قاطَعَني الصديقُ متسائلاً: كيف ذلك؟! قلتُ له: يا عزيزي: أَحبّتي وأصدقائي جزء أصيل منّي، وأنا حين أحبهم فأنا في واقع الأمر أُحبُّ ذاتي.!
أعزائي، إذا رأيتم إنساناً بطبعٍ غليظٍ وأخلاقٍ سيئة، وغضَبٍ مستمرٍ بلا مبرر، فاعلموا يقيناً أنه كاره لنفسه، وفي خصومةٍ دائمةٍ معها، والأسباب يُسأل عنها الشخص دون غيره، فهو الأدرى بحاله، وإن كان يجهل الأسباب، فإن أعظم الجهل أن يجهل الإنسان كوامن نفْسه.!
ويا للعجب حين نصاحب أقواماً مُدة مِن الزمان، ولا نتذكّر أننا شاهدنا أسنانَهم في مرّة مِن المرات. وما ذاك إلا لتجاهلهم ـ وليس لجهلهم ـ أنّ الابتسامة صدقة مِن الإنسان على نفْسِه وغيرِه، كما جاءت بذلك السيرة النبوية العطِرة لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي أدبنا العربي قصيدة شامخة إبداعاً وحكمة، للشاعر إيليا أبو ماضي، اخترتُ منها هذه الأبيات خاتمةً للمقال:
قلتُ: ابتسِم، يَكفيكَ أنَّكَ لَمْ تَزَلْ
حيّاً ولستَ مِنَ الأحبّةِ مُعْدَما
قال: الليالي جَرَّعتْنِي عَلْقَما
قلتُ: ابتسِم، ولئنْ جَرَعْتَ العَلقَما
فلعلَّ غيرَكَ إنْ رآكَ مُرَنَّما
طَرَحَ الكآبةَ جانباً وتَرنَّما.!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هناك 30 تعليقًا:

  1. محمد الأحمد ـ الرياض

    الأستاذ المحترم يوسف الزهراني
    أحييك على هذا المقال المتميز في فكرته ولغته وأسلوبه، حضرتك صاحب قلم مميز ومبدع.
    أنا تجولتُ هنا في مدونتك الجميلة، وقرأتُ بعض مقالاتك، فأفادتني وأمتعنتي كثيرا.
    وسأعود لإكمال القراءة.
    ووجودك في صحيفة الرؤية الإماراتية مكسب كبير لها.
    دعواتي لك بالتوفيق كاتبنا الرائع.

    ردحذف
  2. مريم عبدالله ـ الكويت

    مقال جميل، يحمل رسالة هامة للإنسان، فمحبتنا لأنفسنا ليست نوعًا من الأنانية دائما.
    أشعر بالسعادة وأنا أقرأ للأستاذ يوسف، لأنني أجد في مقالاته المعرفة والدهشة والمتعة الفكرية.
    أشكرك يا أستاذ يوسف
    بالتوفيق..

    ردحذف
  3. خالد الشريف ـ جدة

    أعزائي، إذا رأيتم إنساناً بطبعٍ غليظٍ وأخلاقٍ سيئة، وغضَبٍ مستمرٍ بلا مبرر، فاعلموا يقيناً أنه كاره لنفسه، وفي خصومةٍ دائمةٍ معها، والأسباب يُسأل عنها الشخص دون غيره، فهو الأدرى بحاله، وإن كان يجهل الأسباب، فإن أعظم الجهل أن يجهل الإنسان كوامن نفْسه!

    ما شاء الله عليك يا أستاذ يوسف
    أنتَ كاتب عبقري فعلا
    وأسلوبك يتميز عن كثيرين بالسلاسة والبساطة المليئة بالإبداع الحقيقي..
    ننتظر كتاباتك دائما،،
    أطيب الأمنيات لحضرتك

    ردحذف
  4. أسماء
    القاهرة

    المقال جمع كلّ معاني الإبداع:
    الفكرة العبقرية
    اللغة المتميزة
    الأسلوب المتفرد
    ذكاء الكاتب

    يستحق القراءة فعلا
    أجمل الأمنيات للأستاذ يوسف

    ردحذف
  5. خير - جدة
    ممتاز رائع جدا .وينبغي على القارئ أن يفرق بين الأنانية والإيثار وحب النفس
    دمت ودام قلمك دفاعا عن الدين والوطن

    ردحذف
  6. مقال حلو وجميل في طرحه متميز باسلوبه مقال رائع بافكاره ومفيد حقيقي تسلم استاذ نا المتميز يوسف الله يوفقك

    ردحذف
  7. رباب ـ تونس

    هناك فرق بين الأنانية ومحبة الإنسان لنفسه
    التفاصيل في المقال الجميل أعلاه
    وهو مقال رائع وهام من صاحب القلم المبدع
    الأستاذ يوسف
    شكرًا جزيلا დ

    ردحذف
  8. محمد عبدالعزيز ـ طالب سعودي في أمريكا

    في كلّ يوم سبت أنتظر مقال الأستاذ يوسف
    في صحيفة الرؤية الإماراتية
    فهو إنسان جميل بأخلاقه وإبداعه
    يهدينا الحكمة والمعرفة والأخلاق الراقية
    أحييه وأشكره..

    ردحذف
  9. محمد الكناني ـ الباحة

    مقال جميل وعميق
    يلامس القلب والعقل..
    المحبة والاحترام
    لأستاذنا المبدع
    يوسف بخيت الزهراني

    ردحذف
  10. عادل أحمد ـ الطائف

    مبدع كعادتك، ومميز كتميز ما تخطه.

    ردحذف
  11. راشد ردّاد

    مميز ورائع في مقالاتك وخُلقك

    أسأل الله لك التوفيق

    ردحذف
  12. محمد خاطر ـ الباحة

    مقال روووعة من كاتب مميز
    ربي يحفظك

    ردحذف
  13. م. فيصل الزهراني

    كم أنت جميل

    ردحذف
  14. سمر ـ السعودية

    مقال جميل جدا
    دمت متألقا مبدعا

    ردحذف
  15. ريم العجمي

    ما شاء الله،، رائع

    إذا أحبَبنا أنفسَنا أحببنا غيرَنا، فالسلام والصفاء يبدأ مِن داخلنا، ثم ينتشر ويشعّ رحمةً ونورًا وسعادةً تغمر القريبَ والبعيد، ويهطل غيثُ المشاعر على قلوب أضناها هجيرُ الفراق وآلام الحياة، فتنبت زهورُ الأمل وتورقُ رياحين التفاؤل.

    ردحذف
  16. سُكينة الزيد

    جميل جدا
    سلمت حروفك

    ردحذف
  17. علي أحمد إبراهيم ـ المندق

    إبداع، ما شاء الله لا قوة إلا بالله..

    ردحذف
  18. لتين الورد

    جميل مقالك
    شكرًا لك

    ردحذف
  19. أمل

    ‏‎
    أَحِبُّوا أَنفُسَكُم
    مقال رائع.. سلمت يمناك
    دمتَ بخير دائماً

    ردحذف
  20. مُنى

    يا سلام، نفس فكرتي
    كثيرون يحنقون عليك لأنك تحب نفسك، فلو لم أحب نفسي ثق بأني لن أحب سواها، فعلا لاحظتُ أكثر من يزرع البغضاء كارهين لأنفسهم.����

    ردحذف
  21. أمل الدوسري

    إذن أنا أحب نفسي أولاً لعمل الخير
    وأحبها وسطاً لتقبل المساواة مع غيري
    وأحبها آخراً لأنها راضية عن ذاتها..
    ‏‎دائمًا كتاباتك سهلة سلسة تدخل القلب دون جهد
    مقال جميل جدا ..
    شكرًا أستاذ يوسف

    ردحذف
  22. أناهيد السعودي

    ‏‎مقال رائع جدا ،،
    كم نحتاج إلى ثقافة حُب الذات الصحيحة والبعيدة عن الغرور والغطرسة!
    حب الذات الذي يجعلنا نحب من خلاله كل من حولنا.

    ردحذف
  23. أمل عبدالله

    ‏دائما مبدع ونحن بحاجة الي اقلام تلمس مشاعر فينا نخاف ان تمحو من الواقع الذي نعيشه..

    ردحذف
  24. نوال الصديقي

    ‏‎ما شاء الله عليك أستاذي دائما متألق

    ردحذف
  25. عبدالرحمن محمد

    مقال كله عذوبة وروعة وإنسانية
    وفقك الله أستاذ يوسف
    وإلى الأمام

    ردحذف
  26. ‏ورد ـ الرياض

    قرأتُ المقال وكان أكثر من رائع أرشد فيه الكاتب القارئ إلى جَمال الذات وحُبها، ومكنونات النفس بأسلوب بسيط بعيد عن التكلف.
    أعجبتني حبكة المقال
    وترابط أفكاره وما ذاك إلا لبراعة الكاتب.
    أستاذ يوسف أحييك، وبانتظار مقالات أخرى.
    دمتَ بودّ

    ردحذف
  27. مساء الورد
    مقال رائع كما عودتنا استاذنا الفاضل
    و كما ذكرت ليس كل حب للنفس يعني الأنانية
    استمتعت بقراءة مقالك الراقي
    دمت متألقا
    باقات الورد لسموك
    منى رفاعي

    ردحذف
  28. مساء الورد
    مقال رائع كما عودتنا استاذنا الفاضل
    و كما ذكرت ليس كل حب للنفس يعني الأنانية
    استمتعت بقراءة مقالك الراقي
    دمت متألقا
    باقات الورد لسموك
    منى رفاعي

    ردحذف
  29. خريف العمر

    ‏‎
    مقال رآئع ،، دعوة للحياة
    أن أحب نفسي بنقاء سريرة ،،
    هو مفتاح الحياة و انعكاسه على من حولنا ،،
    من صديق وقريب وحبيب
    هكذا يكون الحب

    ردحذف
  30. ملك ...

    هذه هي الكلمات الرآئعة العظام التي تساوي الواحده منها ألفاً مِن غيرها؛ لِمَا تحملُهُ من معاني تدعم الروح وتجعل لنا وقفة مع أنفسنا نراجع فيها ما ارتكبناه في حقها من قصور ، وفي حق من حولنا من أحبة يستحقون أن نسعدهم !
    حب الذات المحمود فيض من السعاده ترسم لنا ، وبها نضيئ علاقتنا بالآخرين ...
    أبدعت.. أبدعت.. ابدعت ..
    بالتوفيق أيها المتألق دآئما..

    ردحذف