يوسف بخيت الزهراني*
العين بين بلاغة الكلمة وسِحر الصورة.!
حواس الإنسان هي الوسيطُ بينه وبين محيطه الخارجي، ويرى النفسانيون اختلافاً بين البشر، من حيث استجابتهم وتأثرهم بما يصلهم عن طريق حواسهم.
فمن الناس من تخطف بصره وتسحره الصورةُ الجميلة، ومنهم من تأسر سمعَه الأصواتُ العذبة، كحال بشار بن بُرد حين قال:
يا قوم أُذني لبعض الحيِّ عاشقةٌ
والأذنُ تعشقُ قبلَ العينِ أحيانا.!
ويذهب الأمير الشاعر عبدالله الفيصل رحمه الله إلى معنى أعمق؛ مستشعِرا بقلب المحب أحاسيسَ محبوبه فيقول في رائعته ”من أجل عينيكَ عشقتُ الهوى”:
أستشفُّ الوجدَ في صوتكَ آهاتٍ دفينة
يتوارى بين أنفاسكَ كي لا أستبينه
لستُ أدري أهو الحبُّ الذي خفتَ شجونه؟!
أم تخوّفتَ من اللومِ فآثرتَ السكينة؟!
ودعونا من الحديث عن باقي الحواس؛ حتى لا يُحجب هذا المقال عن النشر.!
بالعودة لعنوان هذه السطور أقول: إنها العينُ يا معشرَ القُراء الكرام، التي لعظيم أهمّيتها جاء فيها الحديث القدسي:
”من ابتُلي بحبيبتَيه فصبر عوّضتهُ منهما الجنة”.
والمحيّر في الأمر، الاختلاف في التأثر بما تشاهده العين من صور أو تقرؤه من كلمات بين إنسان وآخر.
يقول لي أحدُهم: لا تبهرني الصور مهما كان بهاؤها؛ وتحلّق بي الكلماتُ والمعاني البليغة إلى آفاق رحبة؛ حتى أفقد شعوري بمن حولي!
وهذا هو سِحر البيان، الذي قيل عنه في الحديث الشريف: ”إن من البيان لسِحرا..”.
ولاحظوا أحوالَ الناس يوم الجُمعة، فحين يكون الخطيبُ بارعا جاذباً للحواس؛ نجدُ الانتباهَ والإصغاء من المصلّين، والعكس تماما حين تدخل جامعا؛ وترى النعاسَ قد داعب أجفان الصغير والكبير.!
أما في عوالم الشِّعر والشعراء؛ فالشواهد لا حصر ولانهاية لها.! يقول حمزة شحاتة رحمه الله في هذين البيتين، من قصيدته ذائعة الصيت ومتناهية العذوبة عن جدة:
إيهِ يا فتنةَ الحياةِ لصبٍّ
عهدهُ في هواكِ عهدٌ وثيقُ
سَحَرتْهُ مَشابِهُ للخُلدِ منكِ
ومعنىً من حُسنهِ مسروقُ
أما البحتري، فيصبُّ في مسامعنا هذين البيتين الرائعَين:
وحديثُها السِّحرُ الحلالُ لو أنهُ
لم يَجنِ قَتْلَ المسلمِ المتحرزِ
إن طال لم يُملل وإن هي أوجزت
ودّ المحدثُ أنها لم توجزِ
لا خلاف إذن بين صاحب العين الصورية، وبين ربّ العين القرائية؛ إن جاز هذا التوصيف. وليس المراد من كل ما قيل التفضيل بين عين وأخرى، بل هو التوصيف فحسب.!
والجامع بينهما، أو العامل المشترك، بتعبير أهل الرياضيات، هو الإحساس، بل إن طائفةً من الناس من يجمع بين العينين؛ فتلفت نظره رائعاتُ المناظر، وتسرق بصرَه ساحراتُ المفردات.!
وهذا ما فُتن به أحبابُنا الشعراء، حين تلتقط عيونهم المشاهد، ثم تحيلها قرائحُهم وألسنتُهم إلى معانٍ خالدة.!
ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.
ــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
ــــــ
للتواصُل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــ
التعليق على المقال من جهاز الكمبيوتر الشخصي
(اللاب توب)
أسهل منه عن طريق الجوال.
نكتب في جوجل:
مدونة يوسف الزهراني
ثم نختار النتيجة الرابعة تقريبا، نفتح المدونة، ثم نفتح أحدث مقال،
وننزل أسفل المقال لإضافة التعليق.
طريقة التعليق هكذا:
الذهاب تحت المقال
ثم نختار: إرسال تعليق
ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم لاختيار ملف التعريف،
ومنها نختار: مجهول
وربما نضع علامة صح في مربع صغير،
أو إدخال رمز بحروف إنجليزية،
ثم: نشر.
شكرًا للجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق