الأربعاء، 29 أبريل 2015

بوابة الأمَل.!

بوابة الأمَل.!

يوسف بخيت الزهراني*

أَعرفُها جيدا: قوية في إيمانها، راقية في أخلاقها، شاملة في ثقافتها، بهيّة في حضورها. من المؤكد أنها قرأت أو تقرأ أو ستقرأ هذا المقال، لذلك لا أستطيع أن أسبّب لها أوجاعاً فوق أوجاعها، سأحاول الكتابةَ عن الجانب المشرق في حياتها، وهو يستأثر بالمساحة العُظمى من حياتها الزاخرة بكل جميل.!
أملي أن أكتب ما تستحق، لأنها جديرةٌ بالتقدير والشدّ على يدها، حتى تتمكّن من إكمال دربها، الذي لا يخلو من العوائق.
هكذا أراها أنا، تعاني من حياتها وظروفها، أما هي فتنفجر ضاحكة حين أسألها عن شعورها، تجاه ما يحدث معها من غريب المواقف والأقدار.
لقد اخترتُ أن أصِفها ببوابة الأمل، وهي صفة تنطبق عليها بشكل كبير، ولعلكم توافقوني حين تقرؤون السطورَ القادمة.
ودّعتْ بطلةُ حكايتنا زوجَها، بعد سنين طويلة من الزواج، وبعد وفاة زوجها - رحمه الله - بأسابيع، أنجبتْ طفلا لم يعش سوى أيام معدودة.
في إحدى غُرف منزلها تطبّب عمَّها ووالد زوجها الراحل، وعمها شفاه الله، به الكثير من الأوجاع التي تجعل حالته الصحية شديدة الصعوبة، وفي غرفة أخرى من المنزل تلاعب أطفالها وأطفال إخوانها وأخواتها، الذين يأتون إليها لأسباب اجتماعية متنوعة.
نعم، هي بوابةُ الأمل، تودّع أرواحاً وتستقبل أخرى.
لها مع الموت أكثر من قصة، ولها مع الفراق حكاياتٌ طويلة موجِعة، لكنها تكتسي بالإيمان والصبر، حتى لا تنكشفَ للناس عورةُ أوجاعها، ولا تفضح للقريب والبعيد ما خفي من أسرار قلبها، المليء بهموم تشكوها لخالقها تعالى دون سواه.
تنقل خطواتها وتقضي وقتها كالنحلة، بين مريض أعياه المرض، وباتت أيامه القادمة أقل من أيامه الماضية، وبين أطفال يخطون خطواتهم الأولى في رحلة الحياة، فما أعجَب أمرها، وما أغرب حكايتها.!
تجلس مع المريض الذي لا يكاد يشعر بوجودها، وبالكاد ينطق بضع كلمات، وإن نطق فهو يسأل عن الزمن الذي يتضاءل منه شيئاً فشيئا، ويسأل عمّن جاء لزيارته من أبنائه وبناته، المشغولين بحياتهم الخاصّة عن رؤية ورعاية أقرب الناس إليهم.
ثم تنتقل إلى مجالسة الأطفال، النابضين بالحياة والبهجة والنشوة، تسألهم عن مدارسهم، وتساعدهم في مذاكرتهم، وتتحدّث معهم عن أحلامهم، بل وتشاركهم لحظات مرحهم، وكأنها طفلة في سنهم.
هي تفعل كل ذلك بنفْس راضية وقلب منشرح، ومع هذا ترى أن لديها وقت فراغ تقوم فيه بالقراءة والكتابة، وتعلّم مهارات جديدة تنمّي بها جوانب مختلفة من شخصيتها.
هذه الإنسانة الرائعة صاحبة العطاء الفيّاض، ليست وحيدةً في ظروفها، فهناك كثيرون يشبهونها من الرجال والنساء، الذين يمنحون الحُب ويبذلون المعروف، دون أن ينتظروا حتى كلمة شكر من الطرف المقابل، بل يفعلون كل ذلك ولسان حالهم يردّد الآية الكريمة: "إنما نطعمكُم لوجهِ الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا".

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.
ــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عِبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < للعودة للمقالات السابقة.
ــــــ
للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــ
التعليق على المقال من جهاز الكمبيوتر الشخصي
(اللاب توب)
أسهل منه عن طريق الجوال.
نكتب في جوجل:
مدونة يوسف الزهراني
ثم نختار النتيجة التي تظهر بها آخر 6 مقالات مضافة، نفتح المدونة، ثم نختار أحدث مقال،
وننزل أسفل المقال لإضافة التعليق.
طريقة التعليق هكذا:
الذهاب تحت المقال
ثم نختار: إرسال تعليق
ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم لاختيار ملف التعريف،
ومنها نختار: مجهول
وربما نضع علامة صح في مربع صغير،
أو إدخال رمز بحروف إنجليزية،
ثم: نشر.
شكرًا للجميع.

الأربعاء، 22 أبريل 2015

أُفتِّشُ عن إنسَان.!

يوسف بخيت الزهراني*

أُفتّشُ عن إنسَان.!

لو سألتُ حضراتكم عن أهم ما يحتاجه الإنسان في الحياة، فإن الإجابات ستذهبُ غالبا إلى المأكل والمشرب والتنفس، وهي أمور هامة فعلا، لكن سؤالي أبعد من ذلك، واختصارا للوقت أقول: إن شعورَ الإنسان بإنسانيته هي أهمُّ أمر يحتاجه الإنسان في حياته، وهذا ليس مجرد حديث يُقال وشعارات يتم ترديدها، بل هو مبدأ يعيش به الإنسان ويموت عليه، فمتى ما استشعر الإنسانُ أنه تام الإنسانية، مكتمل الآدمية؛ فإنه سينطلق للقيام بواجب الخلافة على الأرض، مشيداً صروح العدل وزارعاً بذور الفضيلة.
والسؤال الهام هنا: كيف للإنسان أن يحقّق إنسانيته الحقيقية؟
ويا له من سؤال خطير، مَن تأمّله وأجاب عنه فقد مضى نحو الأجمل والأكمل، ومن احتار في الإجابة فقد تعِس وأتعَس مَن معه.
ولعلنا نجِد الإجابة فيما سيأتي من هذا المقال.
خرج الفيلسوفُ اليوناني ديوجين إلى السوق نهارا، وهو يحمل بيده مصباحا، فلما رآه الناس استنكروا فعله، وسألوه عن السبب، فأجابهم بإجابته المشهورة: أُفتّشُ عن إنسان.!
فكيف يفتشُ عن إنسان، مع أن الناس كانوا يحيطون به من كل جانب؟!
إن المعنى الذي أراد ديوجين إيصاله للناس في ذلك الزمن البعيد، هو أن يحقّقوا إنسانيتهم، ولا يشغلهم تحصيلُ الذرية وجمع الأموال - مع مشروعيته - عن ذلك الهدف الأسمى.
بلمحة سريعة لتاريخ البشرية من عهد أبينا آدم عليه السلام، سنجد العديد من أسماء الأنبياء والمرسلين صلوات الله تعالى وسلامه عليهم جميعا، ختاماً بسيّدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكل أولئك الرجال العُظماء حَملوا معهم المنهج الربّاني القويم، وكانوا شموساً بدّدت ظلمات الفكر والروح، وأشرق ضياؤهم على هذه الأرض عدلاً ورحمةً وإحسانا، وما إن يغادر أحدُ أولئك الرسل الكرام هذه الدنيا؛ حتى ترتدّ البشريةُ إلى عبثيتها، متخلّية عن ذلك المنهج، سافكةً الدماء، مهلكةً الحرث والناس، جرياً وراء المطامع الذاتية، وانتقاماً للنفس الجشعة، التي لا تتوقف عن ارتكاب الخطايا.!
وبناءً على ما تقدّم، فإن الإنسانَ هو المسؤولُ عن تزكية نفسه، وإصلاح حاله، ومراجعة ما يتبنّاه من أفكار تحكُم أفعاله.
ولربما كان أغلبُ تلك الأفكار مجانباً للصواب، بعيداً عن تحقيق معاني الإنسانية، ومع ذلك يتبناها كثير من الناس ويعيشون بها، ولو أنهم فحصوها وأمعنوا العقلَ والفكرَ فيها؛ لاتضح لهم ضعفُها وهشاشتُها، ولعلموا أن حياتهم عبارة عن بالونة كبيرة، يملؤها غاز الوهم.!
من هنا، بات لزاماً على الإنسان، أن يعقد لنفسه مَحكمةً ذاتية، يكون فيها هو الخصمُ والحَكم، وغالب الظن أنه الأدرى بحاله، والأعلم بما اقترفتْ يداه، حتى خرج عن مسمَّى الإنسانية ونورها الساطع، وذهب يتخبّط في ظلماتٍ لا صُبح لها.
لعله يخرج من تلك المحاكمة بحُكم منصف على نفسه، مجاهداً في تزكيتها، والعودة بها إلى طريق الحق والخير والجَمال.!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.
ــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عِبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < للعودة للمقالات السابقة.
ــــــ
للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــ
التعليق على المقال من جهاز الكمبيوتر الشخصي
(اللاب توب)
أسهل منه عن طريق الجوال.
نكتب في جوجل:
مدونة يوسف الزهراني
ثم نختار النتيجة التي تظهر بها آخر 6 مقالات مضافة، نفتح المدونة، ثم نختار أحدث مقال،
وننزل أسفل المقال لإضافة التعليق.
طريقة التعليق هكذا:
الذهاب تحت المقال
ثم نختار: إرسال تعليق
ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم لاختيار ملف التعريف،
ومنها نختار: مجهول
وربما نضع علامة صح في مربع صغير،
أو إدخال رمز بحروف إنجليزية،
ثم: نشر.
شكرًا للجميع.

الأربعاء، 15 أبريل 2015

يا طيِّب القَلب.!

يا طيّب القَلب.!

يوسف بخيت الزهراني*

من أروعِ الأمور في حياةِ الإنسان أن يحيطَ به مجموعةٌ من الطيبين، فإن تحدّث إليهم أنصتوا له، وإن استنصحهم أهدوه صوابَ الرأي، وإن ائتمنهم أسرارَه ألقوها في بئرٍ لا قرارَ لها!
يا له من شعور بالسّعادة لا يوصَف، حين يلتفتُ أحدُنا يمينًا ويسارا، فيجد هذه الأرواحَ البَشريّة الطاهرة تجاوره في حضوره، وإن غابت عنه؛ طافت ذكراها العطرةُ بقلبه وعقله، فيعيش في دنيا من النقاء، حتى وإن كدّر صفوه ونغّصه بعضُ المنغصات التي لا تخلو منها الحياة، فإذا بأولئك الأنقياء يجلون الكدرَ عن صاحبهم، ويسقون روحَه صافي إحساسِهم، كما يَسقي زلالُ الماء الكبدَ العَطشى.!
يقولُ لي أحدُ الأصدقاء الطيّبين: ماذا أفعلُ في طيبتي التي تكاد تقضي على ما بقي منّي؟
قلتُ له: وهل نويتَ أن تنقلب شريرا؟!
فنظر إليّ مندهشًا ومتسائلا: ماذا تَعني بهذا الكلام؟!
فأجبتُه: يا صاحبي الطيّب العزيز، هكذا خلقكَ الله تعالى، عذبًا نقيا، وستبقى كذلك، وسيبقى الودُّ طبعك، الذي لا يخرجُ من روحِك.
كان صاحبي ما زال يتابعني باندهاش، فواصلتُ حديثي وأنا أنظر إلى وجهه:
يا رفيقي، أنتَ رجُلٌ ذكي، لا تخدعكَ ضحكةُ الكذوب، ولا تغركَ ابتسامةُ المحتال. عاد صديقي ليقاطعني ويسأل:
ماذا تريدُ أن تقول؟ طلبتُ منه أن يتحلّى بالصبر، ثم تابعت:
الحياةُ مليئةٌ بأصناف الناس، ما بين الجيّد والرديء، ونحن مضطرون لأن نتعامل مع الجميع، لكننا بالاتكال على خالقِنا العظيم، ثم ببعض حُسن التصرف نستطيع أن نَسلمَ من شر الأشرار، بأن نكونَ منضبطين في تعاملاتنا، حذِرين من توزيع ابتساماتنا على قريب الناسِ وبعيدهم، لعلَّنا أن نعبُر إلى بَرّ الأمان.
نظر إليَّ صاحبي نظرةً لم أفهم معناها جيدا، لكنها نظرةٌ أقرب إلى الموافقة والرضا بما قُلت.!
أيها الطيّبون، كلا، لم يَذهب زمانُكم، كلا، لم ولن تغرب شمسُكم، يا أشقّاءَ أرواحنا، يا نورَ دنيانا، يا بهجةَ أيامنا، إيّاكم أن تندموا على طِيبة قلوبكم. إياكم أن تتحسّروا على من غدروا بكم، وطعنوا صدورَكم بخناجِرهم المسمُومة.
يقولُ المتنبّي:
إذا ترحّلتَ عن قومٍ وقد قَدِروا
أن لا تفارقَهم، فالراحلونَ هُمُ.!
نعم، من فرّط في مودّتكم، وهانت عليه عِشرتكم فلا تأسَفوا عليه، انسوا اسمَه، وامحوا من ذاكرتكم ذِكراه.
أنتُم الأجمل، أنتم الأعذب، أنتم الأنقى، أنتم من يمدُّ الحياةَ بالرونقِ والبهاء، أنتم من ينثُر العبيرَ في سماء حياتنا، لا أجِدُ لكم شبيهًا إلا فصلُ الربيع، أنتم أزهارُه وورودُه التي ترسم أزهى الألوان، أنتم بِساطُه الأخضر الممتد، الذي يكسو الأرضَ خُضرةً لا ترى العينُ لها نهاية، أنتم سماءُ الربيع الزرقاء الصَّافية، تُحلّقُ بها طيورُ الأمل، مرسلةً لمسامِعنا عذبَ الألحان.
أنتم كضحكاتِ الأطفالِ حين تَهزُّ بالسرورِ أفئدتَنا، وتغمرُ بالبهجةِ أرواحَنا، فتسكنُنا الطمأنينةُ، وتشيعُ فينا النشوةُ بكلِّ جَميلٍ وفتّان.!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.
ــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عِبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < للعودة للمقالات السابقة.
ــــــ
للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــ
التعليق على المقال من جهاز الكمبيوتر الشخصي
(اللاب توب)
أسهل منه عن طريق الجوال.
نكتب في جوجل:
مدونة يوسف الزهراني
ثم نختار النتيجة التي تظهر بها آخر 6 مقالات مضافة، نفتح المدونة، ثم نفتح أحدث مقال،
وننزل أسفل المقال لإضافة التعليق.
طريقة التعليق هكذا:
الذهاب تحت المقال
ثم نختار: إرسال تعليق
ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم لاختيار ملف التعريف،
ومنها نختار: مجهول
وربما نضع علامة صح في مربع صغير،
أو إدخال رمز بحروف إنجليزية،
ثم: نشر.
شكرًا للجميع.

الجمعة، 10 أبريل 2015

نِداءُ الحيَاة.!

يوسف بخيت الزهراني*

نِداءُ الحيَاة.!

نعم، للحياة نداءٌ توجّهه إلينا باستمرار، فهل نستجيب لها؟ وقبل ذلك، هل نسمعها؟ صدّقوني، إنه في غاية الوضوح والعذوبة. وذلك النداء يرسل إلينا رسائلَه المباشرة في كل وقت، لكننا بإعراضنا وصدودنا عنه، عمداً أو جهلا، نخسر الكثير. وأول ما نخسره هي الحياة الحقيقية نفسها، التي يفترض أن نعيشها!
إن انغماس الإنسان في الماديات والخصومات بأنواعها يحوله إلى كائن استهلاكي بشِع، يسعى خلف ملذاته التي لم ولن تنقضي. وأنا هنا لا أحرّم الحلال، وليس بوسع أحد أن يفعل ذلك، لكنني أدعو للتوازن ما بين الروح والجسد.
فغلبة جانب على آخر تجعل الإنسان كائناً مرتبكا في نفسه، وفي وسطه الذي يعيشُ فيه. أما التوازن الذي أعنيه هنا فهو أن يكون الإنسان كائناً أرضياً وسماوياً في ذات الوقت. كأنّني بسائل ألمعي يسألني: كيف ذلك؟ والجواب يسير، وأيسر منه تطبيقه. فالإنسان خلقه ربُّ العالمين من تراب الأرض، ونفخ فيه من روحه عز وجل. وهكذا تتضح الصورة، فأي خلل بين هذين المكونين الأرضي والسماوي، سينعكس بالضرورة على حياة الإنسان ومعيشته، والسبب هو الإنسانُ نفسه!
إن المفترض بحضرة السيّد الإنسان، أن يستوعب دوره الحقيقي في هذه الكرة المستديرة الضخمة المملوءة ماء. إنها أمُّنا الأرض التي جعلنا الله تعالى خلفاءه عليها، لنعْمُرها بالعِلم والإيمان، والإبداع في كل ما هو نافع. والعجب كل العجب، هو تعالي أصوات المنادين للموت، وغلبة تلك الأصوات على المنادين للحياة. حتى ظهر ما يمكن أن نسمّيه بلا تردد ثقافة الموت. وظهرت معها بالضرورة ممارساتٌ تتنافى مع كل ما يمت للإنسانية بأدنى صلة.
يقول الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدته فلسفة الحياة:
أيُّهذا الشاكي وما بك داءُ
كيف تغدو إذا غدوتَ عليلا؟
إن شرَّ الجُناةِ في الأرضِ نفسٌ
تتوقّى قبل الرحيلِ رحيلا
هو عِبءٌ على الحياةِ ثقيلٌ
من يَظنُّ الحياةَ عبئاً ثقيلا
والذي نفسُه بغيرِ جَمالٍ
لا يرى في الوجودِ شيئاً جميلا
لا أريدُ أن أقع في فخّ الوعظ، وأنا لا أُحسنه، مع كثرة ممارسيه ليلا ونهارا!
لكن لديّ وصفةٌ حياتية مجرَّبة تتمثل في الاقتراب من الطبيعة، ومغادرة هذه المباني الخرسانية الصامتة والموحشة، التي أفقدتْنا أصواتَنا، وأصابت مشاعرنا بالبرود، بل بالتجمد! هذا هو مذهبي، معانقة الحياة بلهفة ووله. فأنا أعتبر الحياة كأعز صديق لي، أبوحُ لها بمكنون قلبي وهمومه، وأبثُّها لواعجَ مُهجتي، ولم أجد منها إلا كل صدقٍ ووفاء، فهي دائما عند حُسن ظني بها، بل إنني كلما أُخبرها عن نفسي أتفاجأ بها تخبرني بالمزيد عن حالها! حتى إنني أكتشفُ من بعض أحاديثها أن بها أوجاعاً لا تقل عن أوجاعي! وعندما أنصتُ لشكواها أسمع منها الكثير والمثير في كل مرّة! عجباً لأمرها من حياة! إذا ضحكتُ لها ضحكتْ لي، وإذا عبستُ في وجهها ردّتْ عليّ بالمثل.
ومع ذلك سأظل أحبها، وأستجيب لندائها في كل حين.!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.
ــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
ــــــ
للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــ
التعليق على المقال من جهاز الكمبيوتر الشخصي
(اللاب توب)
أسهل منه عن طريق الجوال.
نكتب في جوجل:
مدونة يوسف الزهراني
ثم نختار النتيجة الرابعة تقريبا، نفتح المدونة، ثم نفتح أحدث مقال،
وننزل أسفل المقال لإضافة التعليق.
طريقة التعليق هكذا:
الذهاب تحت المقال
ثم نختار: إرسال تعليق
ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم لاختيار ملف التعريف،
ومنها نختار: مجهول
وربما نضع علامة صح في مربع صغير،
أو إدخال رمز بحروف إنجليزية،
ثم: نشر.
شكرًا للجميع.

فِتنة الحضُور.!

يوسف بخيت الزهراني*

فتنة الحضُور.!

توضّح معاجمُ اللغة العربية أن مسمّى الإنسان مشتق من الأُنس، فالإنسان السويّ لا يَأنس إلا مع غيره من البَشر، وبالتالي فإن حياتَنا لا تصلح بدون الآخرين، سواء كان الآخرون مذهلين أم بغاية القبح، فنحن بدون هذا لا نعرف قيمة ذاك! دعونا من القُبح الآن، وتعالوا ننطلق للحديث عن السادة المذهلين بحياتنا! اسمحوا لي أن أصدمكم قليلا! أغمضوا أعينكم..تخيّلوا أعز ثلاثة أشخاص بحياتكم وقد فقدتموهم! اعذروني قليلا في هذا التشاؤم. حمى اللهُ أحبتكم من كل سوء، لكن لا بد أن نستمر في الحديث حتى نصل لبعض الفهم، وحتى أتمكّن من إكمال بقية مقالي!
هل تخيلتم حجمَ الألم بفقد أحبابكم؟! أعتذر مجدداً عن إزعاجكم بهذا الطلب.
لكن ما أودُّ قوله هنا، هو أن الحياة بلا كثير من الوجوه الفاتنة في حياتنا لا قيمة لها، بل إنها لا تستحق أن تُسمى حياة على الإطلاق! وتلك الوجوه لها في وجداننا فتنةٌ لا يمكن وصفها! وهي ما أسمّيها أو أصفها بفتنة الحضور.
إنه طوفانٌ غامر من مشاعر مبهجة، تملأ أعيننا وأسماعَنا وكافة حواسنا، وتغرقها بالذهول والدهشة بحضرة أحبابنا! ذهولٌ بلا انقطاع، ودهشةٌ بلانهاية! والحديث هنا عام شامل عن الذين نحبهم من أقاربنا وأصدقائنا وبقية الناس!
أيها القراء الكرام والقارئات الكريمات، (لا تنزعجوا من التقديم والتأخير هنا، العَرب تقول: التأخير للأهمّية!)، إن تلك الوجوه المشرقة التي تصبُّ في شراييننا الحُب هي من أسباب مناعتنا النفسية! وتلك الوجوه الباسمة هي رصيدنا الروحي بأوقات الأفراح والأتراح. عندما تهطل علينا السعادة والمسرات ننطلق لزفّ البُشرى لأحبتنا. وعندما تدهمنا الهموم والخيبات نهرع لوجوه أحبتنا وأصواتهم، ونشتاق لحروف مواساتهم!
يقول الشاعر شمس الدين الكوفي الواعظ:
إن كنتَ مثلي للأحبةِ فاقدا
أو في فؤادك لوعةٌ وغرامُ
قف في ديار الظاعنين ونادها:
يا دارُ ما صنعتْ بكِ الأيامُ؟!
لا قيمة للحياة بدون المشاركة، فالسعادة تزداد إذا تمّت مشاركتها، والأحزان تتلاشى إذا حمل كل حبيب مع حبيبه جزءا منها! وهكذا، يبقى هذا الكائن المسكين المسمى بالإنسان، يبقى بين أمواج بحر الحياة، تارةً تعصف به الأمواجُ وتضيع منه جهاته الأصلية والفرعية! وتارة تغدو تلك الأمواج لوحات طبيعية تمتّع نظر من يجلس مسترخيا على شاطئ الأمان، مستمتعا بدفء شمس الضحى!
أخشى انقضاء المساحة والوقت الممتع معكم، ولأجل ذلك أقول: أولوا أحبابَكم غاية عنايتكم، وقولوا لهم بصوت واضح ومسموع: (نحبكم!)، تماما مثلما أقولها أنا لكل من يمسك هذه الصحيفة بيديه، أو يقرأ سطوري من شاشة جواله: أحبك بصدق!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.
ــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
ــــــ
للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــ
التعليق على المقال من جهاز الكمبيوتر الشخصي
(اللاب توب)
أسهل منه عن طريق الجوال.
نكتب في جوجل:
مدونة يوسف الزهراني
ثم نختار النتيجة الرابعة تقريبا، نفتح المدونة، ثم نفتح أحدث مقال،
وننزل أسفل المقال لإضافة التعليق.
طريقة التعليق هكذا:
الذهاب تحت المقال
ثم نختار: إرسال تعليق
ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم لاختيار ملف التعريف،
ومنها نختار: مجهول
وربما نضع علامة صح في مربع صغير،
أو إدخال رمز بحروف إنجليزية،
ثم: نشر.
شكرًا للجميع.

العينُ بين بلاغةِ الكلمةِ وسِحر الصورة.!

يوسف بخيت الزهراني*

العين بين بلاغة الكلمة وسِحر الصورة.!

حواس الإنسان هي الوسيطُ بينه وبين محيطه الخارجي، ويرى النفسانيون اختلافاً بين البشر، من حيث استجابتهم وتأثرهم بما يصلهم عن طريق حواسهم.
فمن الناس من تخطف بصره وتسحره الصورةُ الجميلة، ومنهم من تأسر سمعَه الأصواتُ العذبة، كحال بشار بن بُرد حين قال:
يا قوم أُذني لبعض الحيِّ عاشقةٌ
والأذنُ تعشقُ قبلَ العينِ أحيانا.!
ويذهب الأمير الشاعر عبدالله الفيصل رحمه الله إلى معنى أعمق؛ مستشعِرا بقلب المحب أحاسيسَ محبوبه فيقول في رائعته ”من أجل عينيكَ عشقتُ الهوى”:
أستشفُّ الوجدَ في صوتكَ آهاتٍ دفينة
يتوارى بين أنفاسكَ كي لا أستبينه
لستُ أدري أهو الحبُّ الذي خفتَ شجونه؟!
أم تخوّفتَ من اللومِ فآثرتَ السكينة؟!
ودعونا من الحديث عن باقي الحواس؛ حتى لا يُحجب هذا المقال عن النشر.!
بالعودة لعنوان هذه السطور أقول: إنها العينُ يا معشرَ القُراء الكرام، التي لعظيم أهمّيتها جاء فيها الحديث القدسي:
”من ابتُلي بحبيبتَيه فصبر عوّضتهُ منهما الجنة”.
والمحيّر في الأمر، الاختلاف في التأثر بما تشاهده العين من صور أو تقرؤه من كلمات بين إنسان وآخر.
يقول لي أحدُهم: لا تبهرني الصور مهما كان بهاؤها؛ وتحلّق بي الكلماتُ والمعاني البليغة إلى آفاق رحبة؛ حتى أفقد شعوري بمن حولي!
وهذا هو سِحر البيان، الذي قيل عنه في الحديث الشريف: ”إن من البيان لسِحرا..”.
ولاحظوا أحوالَ الناس يوم الجُمعة، فحين يكون الخطيبُ بارعا جاذباً للحواس؛ نجدُ الانتباهَ والإصغاء من المصلّين، والعكس تماما حين تدخل جامعا؛ وترى النعاسَ قد داعب أجفان الصغير والكبير.!
أما في عوالم الشِّعر والشعراء؛ فالشواهد لا حصر ولانهاية لها.! يقول حمزة شحاتة رحمه الله في هذين البيتين، من قصيدته ذائعة الصيت ومتناهية العذوبة عن جدة:
إيهِ يا فتنةَ الحياةِ لصبٍّ
عهدهُ في هواكِ عهدٌ وثيقُ
سَحَرتْهُ مَشابِهُ للخُلدِ منكِ
ومعنىً من حُسنهِ مسروقُ
أما البحتري، فيصبُّ في مسامعنا هذين البيتين الرائعَين:
وحديثُها السِّحرُ الحلالُ لو أنهُ
لم يَجنِ قَتْلَ المسلمِ المتحرزِ
إن طال لم يُملل وإن هي أوجزت
ودّ المحدثُ أنها لم توجزِ
لا خلاف إذن بين صاحب العين الصورية، وبين ربّ العين القرائية؛ إن جاز هذا التوصيف. وليس المراد من كل ما قيل التفضيل بين عين وأخرى، بل هو التوصيف فحسب.!
والجامع بينهما، أو العامل المشترك، بتعبير أهل الرياضيات، هو الإحساس، بل إن طائفةً من الناس من يجمع بين العينين؛ فتلفت نظره رائعاتُ المناظر، وتسرق بصرَه ساحراتُ المفردات.!
وهذا ما فُتن به أحبابُنا الشعراء، حين تلتقط عيونهم المشاهد، ثم تحيلها قرائحُهم وألسنتُهم إلى معانٍ خالدة.!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.
ــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
ــــــ
للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــ
التعليق على المقال من جهاز الكمبيوتر الشخصي
(اللاب توب)
أسهل منه عن طريق الجوال.
نكتب في جوجل:
مدونة يوسف الزهراني
ثم نختار النتيجة الرابعة تقريبا، نفتح المدونة، ثم نفتح أحدث مقال،
وننزل أسفل المقال لإضافة التعليق.
طريقة التعليق هكذا:
الذهاب تحت المقال
ثم نختار: إرسال تعليق
ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم لاختيار ملف التعريف،
ومنها نختار: مجهول
وربما نضع علامة صح في مربع صغير،
أو إدخال رمز بحروف إنجليزية،
ثم: نشر.
شكرًا للجميع.