الأربعاء، 7 يناير 2015

أرجُوك افهَمني.!

أرجوك افهمني.!

يوسف بخيت الزهراني*

بين مايقوله المتحدّث وما يصل إلى أذن المستمع مسافة ليست بالقصيرة،وإن كانت أحياناً لاتتعدّى بضعة سنتيمترات!
تلكم هي مسافة الفهم والاستيعاب،التي تضيع معها وفيها الكثير من المعاني المقصودة.
وأنا ألخّص الأمرَ بهذه العبارة:
المسافة بين فمي وأذنك لاتُقاس بالسنتيمترات،بل تُقاس بفهمك لما أنطق به!
لكن ياترى،لماذا يَضيع أو يَغيب المُراد عن فهم المُستمِع،بالرغم من وضوح الكلام وحتى قوة نبرة الصوت؟!
يبدو أن أمامنا بابين للولوج إلى الإجابة
عن هذا السؤال/التساؤل:
أولهما بابٌ مصبوغ باللون الأسود،وذلك حين يكون المستمع من طائفة الأعداء أو محدودي الفهم،فهذان الصنفان يفهمان الحديث كما يشتهيان لاكما يقصد المتحدّث.
وهنا يصعُب بل يستحيل الإقناع،لأن الشخص من هذين النوعين،يجلس اختيارياً مع سبق الإصرار والترصّد على عدم الفهم،والحقيقة هنا أنه لايستمع بل يسمع.
والفرق بين الفعلين كبير،فالاستماع هو فعلٌ مقصود يمارسه الإنسان بغرض الاستيعاب،أما السماع فهو فعلٌ غير مقصود،تصل من خلاله الأصوات إلى الأذن،دون أن يكون لها اهتمام بالضرورة،بينما الإنصات أعلى درجة من السماع والاستماع،وهو استماعٌ مصحوب بالتأمّل فيما يُقال.
الآن دعونا ندخل من الباب الأبيض،فعندما يكون المستمع من دائرة أصدقائنا وأحبابنا،فالأمر قد لايختلف كثيرا!
لحظة من فضلكم،سأحاول الإيضاح من جانبي،واثقاً في الاستيعاب من جانبكم!
في هذه الحالة هناك مانعان مهمان يَحُولان دون الفهم:
أولهما:ضرب الأمثلة،
فربما كان الكلام واضحاً لكن اختيار المثال لم يكن موفقا،وهنا يقع التشويش على فهم المستمع ويغيب عنه المعنى المقصُود.
المانع الثاني:انشغال المُستمِع بتحضير الإجابة،وهذه حيلةٌ عقلية سلبية،نمارسها بكثرة،فالمستمع،وبدافع الانتصار لذاته وليس الوصول للحقيقة،ينهمك في التفكير،باحثاً عن ردّ على مايقوله المتحدث.
في حين أن المُفترَض الإصغاء للكلام،والانتظار ريثما تكتمل فكرة المتحدِّث،ومن ثم الرد عليها.
وهناك نوعٌ لطيف من الفهم،وهو موافقة المحب لمحبوبه مهما قال!
وهذا يدخُل في المقولة الشهيرة التي تصف الحُب بأنه أعمى،فالمُحِب يخشى مخالفة محبوبه،وبالتالي فقدانه،فيجعل موافقته فيما يقول نوعاً من إظهار المودّة له والتقرب إليه،وهكذا نتأكّد بأن (الخَرْفَنة) سلوكٌ قديم بدأ منذ قال امرؤ القيس:
أَغرّكِ منّي أن حُبكِ قاتلي
وأنكِ مهما تأمُري القلبَ يَفعلِ؟!
ومن أشهر القصص في سوء الفهم،قصة واضع علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي،حيث دخل عليه ابنه وهو يقطّع الأبيات الشعرية،ويَزِنُها بحركاتٍ غريبة،فأذهله منظرُ والده وخرج من عنده مسرعاً يصيح بالناس ليدركوا أباه.
ولما عاد الابنُ ومعه بعض الأشخاص،ودخل معهم إلى أبيه بادر الخليل ابنَه قائلا:
لو كنتَ تعلمُ ما أقولُ عذرتني
أو كنتُ أعلمُ ماتقولُ عَذلتُكا
لكن جهلتَ مقالتي فعذلتَني
وعلمتُ أنكَ جاهلٌ فعذرتُكا.!

ــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)

للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء

هناك 5 تعليقات:

  1. محمد الجهني - المدينة المنورة

    هاهو كاتبنا المذهل
    الأستاذ يوسف بخيت الزهراني
    يطيرُ بنا مجدداً على غيمات إبداعه وكتاباته الوجدانية التي لايشبهه فيها أحد من كتاب صحفنا في المملكة العربية السعودية
    الشكر كله لصحيفة مكة الورقية التي أفردت مساحةً لهذا المُبدع العبقري
    حتى أصبحنا نتشوق لكتاباته كل أربعاء
    وأتمنى من كاتبنا العزيز
    أن يجمع لنا كل مقالاته في مدونته هذه لنتمكن من قراءة قديم مقالاته وجديدها
    وأنا من متابعي حسابك أستاذي
    بتويتر yba13@
    شكراً لك أستاذ يوسف
    ودعواتي لك بمزيد العطاء والإبداع

    ردحذف
  2. هند السيف
    الرياض
    أستاذ يوسف
    أقدم لك الشكر أولاً
    وثانياً أنت صاحب كتابات مميزة ومبتكرة
    كلها صدق ومشاعر إنسانية راقية ومعبرة
    ولم أجد ذلك عند كثير من الكُتاب
    أنت مبدع..استمر..بالتوفيق

    ردحذف
  3. فيصل
    هذا إبداع وطراز ثقيل من بصيرة التفكير والكتابة بهذا الأسلوب الرائع من كاتبنا المبدع يوسف ....انا فخور بك وبقلمك الجميل

    ردحذف
  4. لله درك من قلم،
    ومن لايفهمك!!!
    وأنت تملك كل هذا الإبداع (أسلوب وأفكار) تشير إلى عقليه واعية مدركه لشخص وآثق هادئ يتحدث بالمختصر المفيد.

    أستاذ يوسف الزهراني
    (كاتب رائع بكل المقاييس
    يعرف من أين يبدأ وفيما يكتب وكيف ينهي)

    بالتوفيق.

    ردحذف
  5. كتبت فأبدعت ماشاءالله ، اهنيك :)

    ردحذف