الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

في عالَم الطفُولة.!

في عالَم الطفُولة.!

يوسف بخيت الزهراني*

  عندما كنتُ طفلا،تمنيتُ أن تمضي الأعوام حتى أكبُر وألِجَ إلى عالَم الكبار.
وكان لي ماأردتُ بطبيعة الحال.
تصرّمت السنون سريعا،غادرتُ دنيا الطفولة،ودخلتُ إلى هذا العالم الكبير،المليء بالكثير من الوحشة وبعض البهجة.
وبدون وعي مني،أخذتُ ألوم نفسي:
ماالذي جعلني أتمنّى تلك الأمنية؟!
وكأنّني إذا لم أتمنّها،فلن تحدُث عاجلاً أم آجلا.!
على كل حال،هذا ليس ندماً على الإطلاق.
فحياتي بفضل الله تعالى عامرةٌ بالبهجة،مُخضرّةٌ بالمحبّة،ويكفيني وجود أناسٍ يملؤون قلبي بالسرور ليلاً ونهارا،وهي نعمةٌ كُبرى أن يشعُر الإنسانُ بإنسانيته،ويجد لحديثه صدى يتردّد في قلوب محبّيه.
لكن ماأودّ قوله هنا،أن للطفُولة طعمٌ يختلف عن غيره من مراحل الحياة.
فمهما ذاق الإنسانُ في طفولته من الحرمان والآلام،إلا أن سنين الطفولة تبقى أبهى السنين.
كيف لا؟!وأقصى همّ الطفل ألعابُه وضحكاته.!
وأكبر مشاكله أن ينكسر جزءٌ من لعبته،أو أن يحين موعد نومه،وهو لم يقنع بما قضاه من وقت اللعب طوال اليوم مع رفاقه.!
من أصدق ماقرأتُ،هذه العبارة:
إذا أردتَ الهدوء والسّعادة،اجلس مع طفلٍ صغير أو شيخٍ كبير،فالأول لايعرفُ الدنيا،والثاني قد اكتفى منها.!
هل تتذكّرون طفولتكم؟!
كم كانت مليئةً بالمغامرة،معبأةً بالضحك،طافحةً بالسُّرور.!
حتى الصداقات التي كوّناها لاحقا،لاتعادل في قوّتها صداقات الطفولة،خاصةً مابقي منها واستمر.
ولأنني مازلتُ أحتفظ ببعض أصدقاء الطفولة،فسأخبركم عن نوعية أولئك الأصدقاء.
في الحقيقة،أنا لاأنظر إليهِم وإلى نفسي كأشخاصٍ ينقلون خطواتهم في سن الرجولة.
بل أراهم وأراني أطفالاً صغارا،فحين نجتمع نستغرق وقتَنا في حديث الذكريات،ويسأل أحدُنا الآخر:
كيف فعلتَ ذلك الفعل الأحمق في الملعب؟
أو:لماذا قلتَ تلك الإجابة الغبيّة في الصف؟!
ثم ننفجرُ في نوباتٍ لاتنتهي من الضحك والتهكُّم على بعضِنا،مترحّمين على تلك البراءة التي دفنَتْها الأعوام،ولم يبقَ لنا إلا ذكراها.!
لاأريد أن تُفهَم السطور السابقة،على أن بهجة الطفولة مضت بلا عودة.
فبداخل كل واحد منا نحن الكبار يوجد طفل،والخيار لنا في أن نرعاه أو نهمله.
ورعايته تكون بتمثُّل روعة إحساس الطفولة في قلوبنا،وتخفيف الركض على أديم الأرض.
وزيادةً على ذلك،لابد أن يكون للأطفال نصيبٌ مُعتبَر من أوقاتنا المُهدَرة.
الأطفالُ يربُّوننا أكثر مما نربّيهم،
ونتعلّمُ منهُم أكثر مما نُعلّمهم.
إنّها مَدْرسةُ الطفُولة.!
جالسوا أطفالَكم وأطفالَ أقاربكم،وشاركوهم حكاياتِهم وأحلامَهم.
انسجوا معهم من خُيوط الشمس أبهى الحُلل،وخذوا وإيّاهم من قوس قُزح أزهى الألوان،راسمين بها أروع اللوحات.!
اضحكوا مع الأطفال من قلوبكم،استوعبوا أحلامَهم الصغيرة،طيروا معهم فوقَ السَّحَاب،وادخلوا معهم كهوف الحكايات ودهاليز القصص،اركبوا معهم سُفن الأحلام،وأبحِروا إلى الجُزر البعيدة في خيالاتهم.!
عيشوا مع الطفُولة وللطفولة وفي عالَم الطفولة.!
كلا،لم تذهَب طفولتُنا،فطالما الأطفالُ يعيشون على هذه الأرض،فنحنُ معهم في طُفولةٍ دائمة.!

نقلاً عن صحيفة مكَّة
(الورقيّة)

للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com

كاتب بصحيفة مكَّة*
(الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.

هناك 5 تعليقات:

  1. الأستاذ الرائع يوسف الزهراني
    شكراً لهذا المقال الذي أعادنا إلى ذكريات الطفولة
    وأنت دائما تفاجئنا بكتاباتك وأفكارك المدهشة
    شكراً لصحيفة مكة التي اختارت قلمك الرائع للكتابة بها وليتك تكتب كل يوم وليس فقط كل أربعاء.
    كما أبارك لك إنشاء هذه المدونة الخاصة بك
    استمر فنحن بانتظار كتاباتك دائما

    ردحذف
  2. الف شكر ياستاذ يوسف
    مقال جميل

    ردحذف
  3. وما زلنا نتمنى أن نكبر ..
    رغم حنيننا للماضي ولتلك الأيام الجميلة ، مازلنا ننتظر الغد ، ليصبح اليوم من الماضي .
    عندما أتحدث مع الأطفال وأجد أن أمنيتهم أن يكبروا ، أجد لسان حالي يقول قول الشاعر :
    " آلا يا طفل لا تكبر
    كذا أجمل
    كذا أطهر
    كذا لا هم يتراكم ...
    كذا لا ضغط .. لا سكر "
    وكأني أريد أن أصرخ لأقول :
    " ترى أكبر كذبه عشناها
    يا ألله متى نكبر ؟! "
    لأجدني أقف لأتمنى عكس ما يتنمنوا :
    " آلا ليت الزمن يرجع ورى وإلا الليالي تدور
    ويرجع وقتنا الأول وننعم في بساطتنا "
    أيام الطفولة ، لن أكرر ما قلته ، لأن طفولتنا متشابةً إلى حدٍ كبير ، وتبقى أيام الطفولة أجمل الأيام ، ولا يعني أن ما نعيشه اليوم ليس جميلا ، بل هو جميل ، وقد يكون أجمل مما هو قادم ، ومع ذلك " يمر الوقت والذكرى ندامه " على أيام طفولتنا رغم بساطتها .

    والآن " كبرنا وصارت الدنيا تصف احزاننا بالدور " وأصدقائنا الذين لطالما كنا معًا ، اصبح " كلٍ غارق بهمّه .. وفي الآخر تشتتنا "


    أشكرك على هذا المقال الجميل ، الذي جعلني استرجع مع كل كلمةٍ منه مواقفًا من طفولتي .
    ولا انسى أن ابارك لك هذه المدونة الجميلة ، ونحن بإنتظارك دومًا .

    ردحذف
  4. محمد الكناني

    شكراً لك أستاذ يوسف
    أمتعتنا بهذا المقال الرائع
    وبانتظار مقالك في صحيفة مكة
    فجر كل أربعاء

    ردحذف