يوسف بخيت الزهراني
الإنسان .. وقود الحُروب.! *
في زمن الحرب كل شيء تزداد قيمته إلا الإنسان، فإنه يبقى الأرخص، هذه حقيقة عرفناها منذ زمن طويل، وهي حقيقة مؤلمة، فكلما نشبت الحروب العبثية واشتعلت الفتن في أي مكان وزمان؛ أصبح الإنسان وقوداً لها، مع مسكنه ومزرعته ومصنعه ومدرسة أطفاله ومستشفاه، يا لحظ الإنسان التعيس على هذه الأرض، يبحث عن السعادة ويفتش عن الأمل، بينما ينشغل تجّار المعارك بالتخطيط لتبديد تلك السعادة وزوال ذلك الأمل، يقول المتنبّي في بيته الشهير:
كلّما أنبتَ الزمانُ قناةً
رَكَّبَ المرءُ في القناةِ سِنانا
والمعنى باختصار، كل غصن شجرة ينمو، يبادر الإنسان إلى تحويله إلى رمح يقاتل به، ويكفي للتدليل على صحة ذلك أن ضحايا الحرب العالمية الثانية التي استمرت ستة أعوام تجاوز 60 مليون قتيل.
ومع ما تبذله المنظمات الإغاثية التابعة لهيئة الأمم المتحدة من جهود ضخمة، إلا أن الفجوة تبقى واسعة بين الواقع والمأمول، فنزيف اللاجئين يزداد مع الأعوام حسب إحصاءات تقرير الأمم المتحدة ذاتها، عن عام 2015 والذي تضمن أرقاماً مخيفة حول أعداد اللاجئين في العالم، ويظهر التقرير الذي نشره موقع BBC أن عدد من أُجبروا على النزوح من منازلهم زاد بنحو 8.3 مليون شخص عن العام الماضي.
وأورد التقرير أن الصراع السوري يُعتبر أحد أكبر العوامل وراء هذه الزيادة، إذ بلغت أعداد اللاجئين السوريين 3.9 مليون شخص، في حين بلغت أعداد النازحين داخل البلاد نحو 7.6 مليون شخص.
وقال المفوّض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس «العالَم في حالة فوضى، والأسوأ هو أن العالَم يظن أن بإمكان المساعدات الإنسانية علاج هذه الفوضى، لكنه لم يعد أمراً ممكناً، وليست لدينا الإمكانات لإصلاح ما فسد. أعداد من يعانون في ازدياد، وللأسف لا توجد فرصة لدعم الكثيرين منهم».
وأضاف غوتيريس أن أعداد اللاجئين زادت في عام 2014 لتبلغ 42.500 شخصاً يومياً، وهي زيادة كبيرة عن العام السابق الذي قُدّرت فيه الأعداد بـ 32 ألف شخص في اليوم. انتهى النقل.
وهكذا يثبت التقرير بما لا يدع مجالاً للشك أن قيمة الإنسان تهوي كما يهوي حجر رماه طفل في الهواء، فارتدّ سريعاً إلى الأرض.
ولعلّ القارئ الكريم يسأل: وما شأني أنا بهذا التقرير؟
طبعاً أنتَ لستَ متّهماً عزيزي القارئ باندلاع النزاعات، ولكنك حين تُحسن إلى فقير أو تطعم جائعاً أو تكفل يتيماً، تكون بذلك قد دفعت زكاة ما أنت فيه من نعمة وصحة وأمن، افتقدها غيرك من ملايين البشر المحاصرين والمشردين والمنكوبين.
ويبقى الدفاع عن الأنفس والأوطان ضد المعتدين والغاصبين ونصرة المظلومين، حقاً مشروعاً لكل البشر، فما قيمة الإنسان بلا وطن يستظل بسمائه ويأكل مِن خيرات أرضه ويفديه بروحه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سَمَر
ردحذفعنوان المقال جذبني ... والمقال جميل أحببتُ كتابتك في الشأن الاجتماعي .. بالتوفيق
شوق
ردحذفكلام جميل .... هذا واجبنا وأقلّ شيء نقدر نقدمه... والحمد لله على نعمة الأمن والأمان.
خريف العمر
ردحذفمقال إنساني جميل
والدال على الخير كفاعله
وفوق مايُبذل لإجلهم لهم منا ألسنة تلهج بالدعاء لهم
سلِمت الأنامل وسلِم نبض قلبك ودام قلمك ��
عُمر الحازمي
ردحذففعلاً أستاذ يوسف .. فكما أن الإنسان وقود للحروب هو وقود للحياة وللتنمية.
كَفى عسيري
ردحذفوفقك الله.
محمد عبدالرحمن - الرياض
ردحذفمقال مميز بإنسانيته ولغته الرائعة
شكراً جزيلاً للأستاذ يوسف
هند الشافعي - القاهرة
ردحذفتعودنا من الأستاذ يوسف مثل هذه المقالات التي تلامس مشاعر الإنسان
وهمومه، بلغة بليغة وأسلوب ساحر.
فله الشكر والتقدير..
مريم - الكويت
ردحذفحين تُحسن إلى فقير أو تطعم جائعاً أو تكفل يتيماً، تكون بذلك قد دفعت زكاة ما أنت فيه من نعمة وصحة وأمن، افتقدها غيرك من ملايين البشر المحاصرين والمشردين والمنكوبين.
الله عليك أستاذ يوسف.
فيصل عبدالعزيز
ردحذفما أجمل الكتابة عن الإنسان وللإنسان
أشكرك كاتبنا الجميل
سارة أحمد
ردحذفالأستاذ يوسف متميز في مقالاته، من ناحية الأفكار والعناوين
وكذلك لغته الجميلة في مفرداتها وأساليبها..
يستحق الشكر والتقدير،،
د. محمد السعيد - الرياض
ردحذففي زمن الحرب كل شيء تزداد قيمته إلا الإنسان، فإنه يبقَى الأرخص..
حقيقة مؤلمة يا أستاذ يوسف
شكرًا لتميّزك الدائم.