يوسف بخيت الزهراني
وَجَع الأسئلة *
حين يبدأ الطفلُ في تكوين قاموسه اللغوي، تسأله أمه بسعادة: مَن أنا؟ فيجيبها بسعادة أكبر: ماما. وتجري به الشهور والأعوام، ثم يبدأ هو في طرح الأسئلة على أمه وأبيه ومَن يشاركونه المنزل، ولا يترك الطفل أداة مِن أدوات الاستفهام إلا ويستخدمها.
وكلما زاد عُمر الإنسان ووعيُه؛ تزايدت أسئلتُه، وراح يراجع الإجابات القديمة، يَستبعد منها الإجاباتِ الخاطئة والوهميّة، والتي قد يكون بَنى عليها مواقفَ خاطئة واعتقاداتٍ واهمة، قادتْه بالضرورة إلى دروبٍ صعبة أو طويلة، ولا تقلّ الخسارةُ حين قادته تلك الإجابات إلى اللا شيء. لكن أكثرَ الأسئلة حيرةً في حياة الإنسان، هي التي تبدأ بأداة الاستفهام: لماذا، ولا تسألوني: لماذا؟ هكذا طبيعة الحياة ومواقفها، حتى وأنا أكتبُ هذه السطور، أسأل نفْسي: لماذا أكتب؟ وسأتجاوز الإجابةَ عن هذا السؤال تحديداً؛ لأني أجبتُ عنه في مقال بعنوان: أسئلة الكتابة.
ربما كان السؤال بـ «لماذا» صعباً ومحيِّراً، لأنه يبحث عن الأسباب ويجري وراء الحقيقة الضائعة، التي يدّعي الجميع امتلاكها، ويضع السائلَ والمسؤولَ في دوائر مغلَقة لا خروج منها إلا بالصدق، ولا شيء غير الصدق.
الحياة سؤالٌ كبير، تتفرّع منه أسئلةٌ لا تنتهي، وكأنّ حياتنا شجرة ضخمة، والأغصان هي الأسئلة التي تتفرّع بلا توقف، أما الثمار اليانعة فهي الإجابات التي نَسعى إلى قطفِها.! ومتى ما نجح الإنسانُ في الإجابة عن أسئلة الحياة، فإنه بإذن الله تعالى سيسير في بساتينها سعيداً هانئاً راضياً، لا تخيفه النوائبُ ولا تهزه العواصف، فهو ثابت اليقين عميق الإيمان واثق الخطوات.
وعندما يبني الإنسان أفكاره ومعتقداته على قواعد ثابتة ورؤى واضحة، فإنّ بنيانه يعلو شامخاً يطاول السحاب، ويقابل الشمس ويعانق الضياء، ويرسم حياتَه لوحةً زاهية الألوان. وتمتدّ رحلةُ الإنسان في البحث عن الحقيقة لتستغرق عمره بأكمله، يخفق حيناً وينجح حيناً، وربما ينشغل في جزء مِن عمره بالبحث عن إجابات لأسئلة لا قيمة لها، ويلهيه ذلك عن تحصيل إجابات الأسئلة المهمّة.
الخطير في رحلة البحث عن الحقيقة والمعرفة، أن نتوهّم امتلاكهما مِن أشخاص بعينهم، واحتكارهم لهما دون غيرهم، فالحقّ ما قالوا والصواب ما فَعلوا، بينما هُم يخبطون خبْط عشواء، ولا يفرّقون بين النقير والقطمير.
لا أحد يعترض على اتخاذ القدوة مِن الناس، أو ما يُوصف بالمثل الأعلى، ولكن حتى الشخصية التي قد نرى فيها مثالاً كاملاً فهي لا تحيط بكلّ شيءٍ عِلماً، فإدراكها يقتصر على جوانب تخصّصها وتجربتها فقط.
ولهذا فإنّ تعدّد قدوات الإنسان في مجالات عدة، يشكّل شخصيته ويثريها ويصقلها على نحو أفضل وأجمل، مع الأهمية الكبرى لإنضاج الفرد لتجربته الذاتية، والتعلّم مِن المواقف الحياتية المتنوعة، وصولاً إلى تكوين قناعاته الخاصّة. وتمضي الحياة، ويبقَى أشَدّ الأسئلة وجعاً تلكَ التي نَعرفُ إجاباتها، لكنّنا لا نَقوَى على النطقِ بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناء
ردحذفمقال رائع جدا وعميق .. "لماذا" جعلتَ الطرق مفتوحة إلى اللا نهاية؟!
شكرالك
الجازي
ردحذفالله الله روعة في طرحك لكن هي الشجرة لغز الحياة.. مبدع
عبير الحربي
ردحذفلا أجد أن الحياة لغز و لا اسئلة "يجب" أن نوجد لها أجوبة.
كل ما يحدث في الحياة إنما يحمل رسالة لغرضٍ ما فقط المطلوب منّا أن نتنبه لها
داليا سليم
ردحذفمقال من عنوانه مؤلم ��
و من اشد الاسئلة..؟
لماذا يتساوى الظالم والمظلوم أحيانا..!؟
تبقى الإجابة معلقة كنهاية المقال..!
خالد مساعد
ردحذففالك مزيد التألق.
أزهار الكرز
ردحذفرائعٌ أنتَ في كل حالاتك
دامت لنا دررك
هدى
ردحذفمقال في قمة الروعة أخي يوسف بارك الله فيك وزادك تألقا وشكرا لك يا مبدع
نوال الصديقي
ردحذفمقال رائع أستاذي المحترم
سمية
ردحذفمقال رائع أستاذ يوسف كجميع مقالاتك
" ويبقى أشد الأسئلة وجعاً تلك التي نعرف إجاباتها لكننا لا نقوى على النطق بها "
سمر
ردحذفوتمضي الحياة، ويبقَى أشَدّ الأسئلة وجعاً تلكَ التي نَعرفُ إجاباتها، لكنّنا لا نَقوَى على النطقِ بها.
مقال يستحق كل الشكر والتقدير ..
أمل
ردحذفيعطيك العافية ع المقال الجديد
سأكون صادقة معك، المقال دسِم جدا
والخاتمة هي الأجمل
هناك أسئلة تبقى بدون إجابات
ليس لأننا لا نعرفها، بل لأننا نعرفها ولا نستطيع قولها
وهي الإجابات التي نحتفظ بها في أرواحنا
وقد يكون ألمها هو أحد أسباب احتفاظنا بها
ربي يحفظك وتدوم بخير
وائل السُّلمي
ردحذفقلم رائع حقيقة
كل التوفيق يا صديقي
ناصر العُمري
ردحذفقلم أنيق وعقل واعي.!
مها الغنيم
ردحذفرائع..
خريف العمر
ردحذفومع كل إجابة لِ سؤال ،
سيولد سؤال آخر وتتوالى الأسئلة وتتعدد الإجابات ،
ديدونة بشر لن تضمحل ماحيينا
مقال رائع ونبض مبدع ي استاذي
تراتيل المطر
ردحذفمقال جميل ..
يخاطب معضلة الاسئلة وحلقاتها المفرغة في بعض الأحيان ..
صدقتَ حين كتبت أن هناك أسئلة نعرف إجابتها و نخشى مواجهة تلك الإجابات.
سلملن البحيري
ردحذفمقال رائع أستاذ يوسف
عمر الحازمي
ردحذفما أجمل الطفولة أستاذ يوسف، فهي متنفس الحرية في حياتنا وفيها نسأل ونناقش. وللأسف فقدناها مع تقدم العمر واستُبدلت بعبارة:
في فمي ماء.!
خالد محمد - الكويت
ردحذفرائع يا أستاذ يوسف في هذا العطاء والإبداع
شكرًا جزيلاً لك
وإلى الأمام دائما.
رباب العرفاوي - تونس
ردحذفولهذا فإنّ تعدّد قدوات الإنسان في مجالات عدة، يشكّل شخصيته ويثريها ويصقلها على نحو أفضل وأجمل، مع الأهمية الكبرى لإنضاج الفرد لتجربته الذاتية، والتعلّم مِن المواقف الحياتية المتنوعة، وصولاً إلى تكوين قناعاته الخاصّة. وتمضي الحياة، ويبقَى أشَدّ الأسئلة وجعاً تلكَ التي نَعرفُ إجاباتها، لكنّنا لا نَقوَى على النطقِ بها.
كلام يُكتب بماء الذهب
دام لنا هذا الجَمال يا أستاذ يوسف.
سناء
ردحذفالإنسان الطبيعي هو الذي يسأل و ما عدا ذلك فهو إنسان مغيَّب فكرياً.
نقرأ نفكر نربط نحلل، وخلال هذه الرحلة الفكرية نسأل العديد من الأسئلة حتى تكتمل الصورة لدينا والإجابات الشافية المقنعة بالتأكيد تقودنا إلى الحقيقة.
بالفعل الإجابات الصحيحة المقنعة في مرحلة الطفولة هي أساسية حيث تبنى عليها أمور و تصورات كثيره فالمراحل التالية هنا تكمن أهمية صحة تلك الإجابات حيث إنها
تقبع في ذاكرة الطفل و لا تمحوها السنوات.
ولنا أن نتصور المصيبة إذا كانت الإجابات خاطئة غير مقنعة ومبهمة أو حتى خيالية بحتة ففيها عدم احترام للعقلية..
هنا عدم الإجابة افضل بكثير .
شكرًا لك أستاذ يوسف
تسعدنا دائماً بأفكارك المشرقة.