يوسف بخيت الزهراني
صَديقي .. دَعني أَتنفّس *
الصداقة رابطةٌ إنسانية وثيقة وعميقة، عند مَن يَعرفون قيمتَها ويحترمون عهودَها، وخير دليل على صحة هذا القول أنّ الله تعالى خلّد تلك الصحبة العظيمة بين نبيّنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلّم، وبين سيّدنا أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، فقال الله تعالى «إذ يقولُ لصاحبِه لا تحزن إنّ الله معنا».
نَعم، الصداقة رباط روحي قوي، يشدّ أرواحَ الأصدقاء لبعضها، بل يمزجها لتصير روحين في روح واحدة، يشعر فيها الصديق بآلام صديقه، ويشاركه فرحته، وكأنّ الحُزن حزنه والفرحة فرحته تماماً.
وهنا لا مبالغة في القول، حين نسمع أنّ كثيراً مِن الأصدقاء يستشعرون ما يختلج في نفوس أصدقائهم مِن مشاعر، حتى قَبل أن ينطقوا بها وتفصح بها ألسنتهم، وهذا سر مِن أسرار الصداقة النقيّة الراسخة، التي لا تلوّثها المصالح، ولا تغيّرها الظروف!
للصداقة عهود يَعرفها ويرعاها الأصدقاء الحقيقيون، تتعدّد لتشمل الوفاء بالوعود حسب الاستطاعة، وكتمان السر، وحِفظ الأمانة، والثقة الأبدية بين الصديق وصديقه، وبذل النصيحة بكلّ إخلاص، ويظلّل كلّ ذلك سحابة بيضاء، تهطل نُبلاً ومَحبةً وثِقةً، لا تفنَى ولا تزول ولا تتبدّل!
هناكَ مَن يَعتقدون بأنّ مِن حقهم التواصل مع أصدقائهم، ومناقشتهم في كلّ شيء متى وأينما شاءوا، وهذا مزلق خطير وخطأ فادح، يقضي على مساحات الصداقة الخضراء، وينقض عُراها الوثيقة.
يا معشر القراء الكرام والقارئات الكريمات، عندما يبوح لنا صَديق بسرّه فهو قد اختار البوح بإرادته ورغبته، لكنّ ذلك ليس مبرراً يجعلنا نلحّ في السؤال عن كلّ أمر يعنيه، خصوصاً إذا كان لا يرغب الحديث عنه.
وعلاقة الصداقة الحقيقية لا تجيز لنا الاتصال بأصدقائنا في كلّ حين، بحُجة أنّهم أصدقاؤنا ولن يزعجهم اتصالنا بِهم، ولو كنّا نعتبرهم كذلك حقيقةً لما أقلقنا راحتهم، وكدّرنا أوقاتَهم بكثرة طلبهم على الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة.
على الصَّديق الواعي أن يتحلّى بما يُسمَّى بالذكاء العاطفي، ولهذا النوع مِن الذكاء تعريفات كثيرة، سأكتفي بواحد منها وهو: قُدرة الإنسان على التعرّف على مشاعر الآخَرين، وعلى مشاعره الشخصيّة، وذلك لتحفيز نفْسِه، وإدارة عواطفه بشكـل سلـيم وجيّد في علاقته مع الآخَرين.
وتتسع دائرة الذكاء العاطفي لتشمل العلاقة بين الأزواج، وبين الأب والأم وأولادهم، وبين الناس جميعاً على اختلاف الروابط والأماكن التي تجمعهم، سواء كانت واقعية أو افتراضية عبْر وسائل التقنية الحديثة.
والصديق الذكيّ هو الذي يراجع علاقته بصديقه دائماً، ويتفقّد مواضعَ قوة الصداقة فيستمر عليها، ويلاحظ ما تقادم منها ويجدّدها، ويكفي في ذلك اعتذار صادق وكلمة إطراء وهدية معبّرة، تضخّ دماء المودّة في شرايين الصداقة، وتدعم بنيانها.
أحياناً، لا بأس بالابتعاد المؤقَّت عن الذين نحبهم، بل إنه أمر ضروري، فلا تخنقوا أحبابَكم، وامنحوهم بعضَ الخصوصية، ليبقَى الحُب وتدوم الصداقةُ وتتجدّد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَلَك - جدة
ردحذفدائما أقول: الصداقة غالبا تكون مثل المال,قيمته ثمينة ..عز لصاحبه إلا أن اكتسابه أسهل من الحفاظ عليه، ومهما علت قيمة الصداقة بين الطرفين إلا أن الأرواح أصبحت لا تحتمل أقلّ اختناق ولو من أقرب قريب ...
ضغوطات الحياة لم تترك لنا شيئا من وسع الحال والخاطر أصبحنا نشعر كثير باحتياجنا للانزواء بمفردنا بعيدا عن كل مايحيط بنا لنتنفس مع أرواحنا ولا نحمل أحبتنا عبء ما نحن فيه..نحبهم نعم ..نسعد بقربهم نعم ...لكن هناك أوقات لانحتاج منهم سوى عبارة واحدةعبر رسالة بسيطة. .
أدعو ربي أن تكون دائما بخير وراحة بال
...فقط نحتاج منهم الدعاء ...
أنت إنسان وكاتب رآآآئع يا أستاذ يوسف ❤❤❤
آمنتُ أنّ ما يخرج من القلب يصل إلى القلب ...بصراحة كلامك لمس داخلي وليست أول مرة يحدث ذلك ..دائما أستفيد من إبداعك المتالق ..مقالك رائع كلماته عانقت روحي ..ولامست كل الجَمال حولي.
اختزلتَ أثمن كمّ من المضمون المفيَّد بين عدد من الحروف وهذه قمة الابداع!
تبارك الرحمن.
من أول حرف قرأته لك في صحيفة مكة سابقا أشعر بأن حروفكَ ترسم بماء الروح التي تنبض بإنسانية متدفقة فتبهر بصري بحرفك قبل بصيرتي ويزداد انبهاري بقلمك وشخصك في كل مرة أكثر واكثر .. رائع أنت يا أستاذ يوسف... دام لك الحرف عونا ...ودمتَ بنبض قلبك وقلمك وروح الإنسانية التي تحتويك وتحتويها ...وتسيطر على حرفك وتسيطر بعزف أفكارك عليها جميعا..
هُدى
ردحذفمقال رائع جدا زادك الله تألقا
موسى - السعودية
ردحذفشكرًا لصحيفة الرؤية ورئيس تحريرها
الصحفي القدير
الأستاذ محمد التونسي
لمنح الأستاذ المبدع
يوسف بخيت
مساحةً للكتابة
أزهار الكَرز
ردحذفسلِم القلم و دام الإبداع
فوزية
ردحذفعندما يبوح لنا صَديق بسرّه فهو قد اختار البوح بإرادته ورغبته، لكنّ ذلك ليس مبرراً يجعلنا نلحّ في السؤال عن كلّ أمر يعنيه✔️
محمد الحمزة - السعودية
ردحذفيوسف صاحب قلم متميز
ظفرتْ به صحيفة الرؤية ليمتعنا ويثرينا.
رهام مدخلي
ردحذفرائع.. بارك الله فيك
عبدالرزاق حنش - السعودية
ردحذفمقالكَ جميل يا جميل
عبدالرزاق حنش
ردحذفالصبر على الصداقة مثل الورد على الشوك
خالد مساعد
ردحذفمتألق كعادتك
عيسى الزهراني
ردحذفمقال رائع .. من أجمل ما قرأت
سعود حَسن الكناني
ردحذفرووووعة
محمود الديب
ردحذفرائع
وائل السُّلمي - السعودية
ردحذفحياناً، لا بأس بالابتعاد المؤقَّت عن الذين نحبهم، بل إنه أمر ضروري، فلا تخنقوا أحبابَكم، وامنحوهم بعضَ الخصوصية، ليبقَى الحُب وتدوم الصداقةُ وتتجدّد.
كلام عميق يا صديقي
شكرًا على المقال المميز
عبير الزهراني
ردحذفالموضوع جميل جدا
والأجمل أنك تطرقتَ للذكاء العاطفي
فهو شرط أساسي لنجاح أي علاقة.
هند الشافعي - القاهرة
ردحذفهناكَ مَن يَعتقدون بأنّ مِن حقهم التواصل مع أصدقائهم، ومناقشتهم في كلّ شيء متى وأينما شاءوا، وهذا مزلق خطير وخطأ فادح، يقضي على مساحات الصداقة الخضراء، وينقض عُراها الوثيقة.
شكرًا لكل هذا الإبداع يا أستاذ يوسف
أطيب الأماني
ميسون السعيد - الأردن
ردحذفالظروف مَصنع الأصدقاء الحقيقيين..
سُميّة
ردحذف
مقال رائع أستاذ يوسف
الصديق وطن صغير .. أخ آخر .. ونعمة عظيمة لن يشعر بها إلا من يمتلكها.
سَمَر
ردحذفمقال رائع رائع رائع جدًا
صَديقي .. دَعني أَتنفّس .. العنوان بحد ذاته يكفي ..
شكرًا لك ..
سناء - السعودية
ردحذفنعم لكل شي حدود يجب عدم تجاوزها
فكل شيء يزيد عن الحد ينقلب للضد
لا إفراط ولا تفريط
الوسطية مطلوبة في كل شيء
و خصوصية الإنسان أمر مقدس لا يمكن لأي أحد مهما كان اختراق ذلك المِحْراب.
شكرًا لك أستاذ يوسف
أحمد مرزوق - الكويت
ردحذفالأستاذ يوسف صاحب قلم متميز
وإبداع متفرد.
يكتب بلغة جميلة وأفكار متجددة
دعواتي لحضرتك بالتوفيق
أحلام الزهراني
ردحذفلا بأس بالابتعاد المؤقَّت عن الذين نحبهم، بل إنه أمر ضروري، فلا تخنقوا أحبابَكم، وامنحوهم بعضَ الخصوصية، ليبقَى الحُب وتدوم الصداقةُ وتتجدّد.
الله عليك أستاذ يوسف، تسلَم يدينك ويسلَم مَن ربّوك.
منال
ردحذف
"الصداقة رباط روحي قوي، يشدّ أرواحَ الأصدقاء لبعضها"
ما أعذب الوفاء الذي يجذب إليك الأصدقاء..
مقال راائع واستشهاد أروع
وفقك الله.
ناصر
ردحذفمقال رائع .
وهذا الجزء درس ، يحتاج أن نمارسه في علاقاتنا
والصديق الذكيّ هو الذي يراجع علاقته بصديقه دائماً، ويتفقّد مواضعَ قوة الصداقة فيستمر عليها، ويلاحظ ما تقادم منها ويجدّدها، ويكفي في ذلك اعتذار صادق وكلمة إطراء وهدية معبّرة، تضخّ دماء المودّة في شرايين الصداقة، وتدعم بنيانها.
أحياناً، لا بأس بالابتعاد المؤقَّت عن الذين نحبهم، بل إنه أمر ضروري، فلا تخنقوا أحبابَكم، وامنحوهم بعضَ الخصوصية، ليبقَى الحُب وتدوم الصداقةُ وتتجدّد.