يوسف بخيت الزهراني
اِسأَل عنّي.! *
سُمِّي الإنسانُ بهذا الاسم لأنه يَنسَى، قال الشاعر قاسم الشيراوي رحمه الله: وما سُمّي الإنسانُ إلا لنسْيهِ .. ولا القلبُ إلّا أَنهُ يَتقلّبُ، وهناك مَن قال: تسمية الإنسان مشتَقة مِن الأُنس، وهذه حقيقة تؤكّدها مسيرةُ الإنسان التأريخية، فهو كائن اجتماعي كما تصفه العلومُ الإنسانية، يَأنس بغيرِه، وغيره يأنس معه.
أما عزلة الإنسان فهي فِعل اختياري، يَحدُث لأسباب تنتهي العزلةُ بانتهائها، ليعود الكائنُ البشري إلى مخالطة مجتمعه مِن أُسرة وأصدقاء وغيرهم، يجد نفْسَه قوياً بينهم، يشاركهم الحُزن والسعادة والمعرفة.
في المجتمع الإنساني تمتدّ جسورُ العلاقات بين البَشر، فهذه عائلة وأقارب، وهؤلاء جيران وخلّان، وأولئك أصحاب وأحباب، تربطهم جميعاً أواصرُ المحبة ووشائج القُربى ومعاني البِر والإحسان.
على حين غِرة، تأخذنا همومُ الحياة ومشاغلُها التي لا تنتهي، لتبعدنا زماناً ومكاناً، قليلاً أو كثيراً، عن قريبٍ وحبيبٍ، أو عن صاحبٍ وصديق، فتتسلّل الوحشةُ لقلوبهم وقلوبنا، ونقترب أو نكاد، مِن نسيان ملامح وجوههم التي كانت لا تفارِقنا.
وفي مساحات البُعد وأزمنة الفراق، تأتينا الأسئلةُ مِن أعزائنا معطَّرةً بالودّ، وتصلنا رسائلُهم مغلَّفةً بالشوق، تُشرق بها شاشات هواتفنا، فتسري البهجةُ لقلوبنا المنهكَة، ويشعّ السرورُ بأعيننا الغارقة في دموع أحزانها. ربما لا تتعدّى إحدى المكالمات أو رسائل المحبة كلمتين: اشتقتُ إليك. لكنّ اتصالاً سريعاً، أو رسالة حُب قصيرة كفيلة بتبديد ظلام أحزاننا، ورسْم الابتسامة على شفاهنا. ومهما اختلفت كلمات الرسائل والاتصالات وتنوعتْ بينَ المحبِّين، فإنّها تريد القولَ لقارئها وسامعها: أنا أُحبك.
هذه طبيعة الإنسان، يشعر بقيمته إذا وجَد مَن يَسأل عنه، ويَمسح دموعَه، ويسمع شكواه، ويواسيه بكلمةٍ صادقةٍ وشعورٍ نبيل، لتتلاشى أحزانُه ويهدأ قلبُه. أما السعادة فإنها تتضاعف حين نتشاركها مع مَن نحبهم، فنفرح بما تحقق لنا، ثم نفرح إذا حَضر صديقٌ أو اتصل ليفرح معنا ويهنئنا بمناسبة وكأنّ الأمرّ يعنيه تماماً.
وكَم يتعاظم الأجرُ إنْ شاء الله، عندما يَسأل أحدُنا دائماً عن أُمّه التي قضت زهرة عُمرها في تربيته ورعايته، ويزورها مهما بذل مِن عناء في سبيل الوصول إليها، ولا يَنسى أبداً السؤال عن أبيه وزيارته، فهو الذي ضحّى بصحته وراحته ليرتاح أبناؤه وبناتُه ويَسعدوا. ولا تُهمِلوا السؤالَ عن أقاربِكم، خصوصاً اليتامى وكِبار السنَ والمحتاجِين مِن أرامل وفقراء، ومَن أَقعدهم المرض.
وتعالوا نقرأ هذه الأبيات، التي أحفَظها منذ زمنٍ طويل ولَم أتوصّل لمعرفة قائلها:
يا مَن ينوحُ فؤادي خَلْفَ مَوكِبِهِ
ومَن ترفرفُ روحي حَولَ مَغْناهُ
ماذا تَرَكْتَ بقلبِي بَعدَ ما نَسَجَتْ
كفُّ الخَريفِ لهُ حَرَّى بَلاياهُ؟!
هلّا ذَكَرْتَ زماناً ظَلَّ يُسعِدُنا
نَقضي حياةَ المنَى في ظِلِّ دُنياهُ؟!
تَسعَى إلينا الأماني في ظلائلهِ
وتستخِفُّ بِنا أحلامُ دُنياهُ
ما زلتُ أَذْكُرُهُ في كُلِّ آونةٍ
رغمَ الصُّدودِ وأنتَ اليومَ تنساهُ.!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ