يوسف بخيت الزهراني
لا تَنسَوهُم.! *
يشتركون معنا في هذه الحياة، لكننا لا نراهم ولا نشعر بهم، ربما تعمّدنا ذلك، أو لعلها مشاغلنا الخاصّة التي أخذتْنا بعيداً عنهم، حتى نسيناهم.
إنهم الفقراء الذين أذلّتهم الحاجة، والمرضى الذين أنهكهم الوجع، والغرباء الذين أرهقتهم الوحشة، والمنفرِدون الذين قيّدتهم الوحدة، وإذا مضينا أكثر في دروب الحياة، وجدْنا الأيتامَ والأراملَ وأصحابَ الدَّين والهمّ والمسؤوليات الثقيلة.
وقد يقولُ قائل: لديّ ما يكفيني مِن شؤون حياتي، وما يشغلني عن غيري مِن الناس، ولا أملكُ زيادةَ وقت لأركضَ خلْفَ مصلحةِ أحدِهم حتى أقضيها له، وما عندي فائضُ مال أواسي به فقيراً، وهذا كلامٌ صحيحٌ في ظاهره، خاطئٌ في باطنه، فمَهما كان الإنسانُ مشغولاً أو مهموماً أو فقيراً، إلا أن هناك مَن هو أكثر منه انشغالاً وأعظم همّاً وأقسى فقراً، وكما جرى المثل: مَن رأى مصيبةَ غيره هانت عليه مصيبتُه، ولعل في تفريجه لكربة مكروب تفريجاً لكربته، وتسهيلاً لأمور حياته، فمَن زَرع الخيرَ سيحصدُ ثمارَه، هذه قاعدةٌ إنسانيةٌ ثابتة، وسُنةٌ كونيةٌ جارية:
مَن يَفعلِ الخيرَ لا يُعدَم جوازيهِ
لا يَذهبُ العُرفُ بينَ اللهِ والناسِ
في كثير مِن الأحيان، يحتاجُ الإنسانُ لمن يُصغي إليه فقط، ويواسيه بكلمة ويدعمه بثناء ويتذكّره بدعوة، فهل يعجزُ أحدُنا عن الكلمةِ الطيّبة، السهلة في أدائها العظيمة في أثرها؟! إنْ عجِزنا عنها فالعزاء لنا في إنسانيتِنا التي تاهت مِنا، وفي قلوبِنا التي غادرتْها الرحمة، وجفّ منها الإحساس.
ويأتي هنا سؤالٌ في غاية الأهمية: أين يوجد هؤلاء الناسُ المحتاجون لمن يلتفتُ إليهم ويواسيهم على قَدر الاستطاعة؟ والإجابة لا تخفى على مَن أنعم اللهُ تعالى عليه بالرحمة في طبعه، وغمر قلبَه بالشفقة، فهو بإنسانيته الشفّافة وشعوره النبيل يتلمّسُ الحاجاتِ قَبل أن ينطقَ بها أصحابها، ويرى العبراتِ قَبل أن تتحدّر مِن محاجر العيون، ويسمعُ الآهاتِ وإنْ ضَعُفَ حِسُّها، ولا يهدأُ له بال حتى يقضي الحاجاتِ ويكفكفُ العبراتِ ويهدّئُ الآهات.
أما الذين يرغبون في تدارك إنسانيتهم وإصلاح قلوبهم بالإحسان إلى المحتاجين، ولكنهم لا يعرفون أماكنهم، فإني أقولُ لهم:
ابحثوا عنهم في زوايا الحياة المُهمَلة، فهم في أطراف مُدنكم وقُراكم، طواهم لحافُ النسيان المظلم، وارتحلت الابتسامةُ عن شفاههم، ربما كانوا مِن عابري السبيل، أو ممّن تعرفون مِن أقاربكم وجيرانكم، فتِّشوا عنهم حولكم، اسألوا عنهم إذا غابوا، تفقّدوهم أحوالَهم باستمرار، عُودوهم إذا مرضوا، أعطوهم ما يحتاجون إليه، امسحوا دموعَهم إذا انهمرت، واسُوهم في أحزانهم لتتضاءل، شارِكوهم في أفراحهم لتتضاعف، وأرشِدوا إليهم أهل الخير والإحسان لتكسبوا الدلالة على فعل الخير وتكونوا كفاعله، لستُ أقوم هنا واعظاً لكم، إنما هي ذكرى لي ولكم، وهذا أضعفُ الإيمان.
فلنرحم أيتامَنا وفقراءَنا وضعفاءَنا ومرضانا والغرباءَ بيننا، ولنتذكّر دائماً:
«إِنَّ رحمةَ اللهِ قريبٌ مِن المُحسنين».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بياض روح
ردحذفهنا الرحمة المحمودة..
ربِّ اجعلنا ممن يُعينون وينفعون
شادون - تونس
ردحذفحتاج فعلا ودوما التذكير.. بأولئك المحتاجين خاصة المتعففين.. كيلا نغفل عن مساعدتهم كيفما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
بياض روح
ردحذفرائع وجزاك خالقي عن كل حرف فيها أجر ومثوبة
خريف العمر
ردحذفلنجعل الرحمة بهم ومواساتهم واعانتهم خبية بيننا وبين الله ،، هي ربح وفلاح في الدنيا والآخرة ،، مقال إنساني وجميل دام قلمك مبدعاً
خيبة أمل
ردحذفكلام رائع فيه إحساس بالمسؤولية وادراك لـ معنى التكافل الاجتماعي
كم هو جميل تقديم المساعده للغير
نحصد بعدها من خيري الدنيا والآخره .
محمد عبدالله - قطر
ردحذفالله الله على هذا المقال الإنساني يا أستاذ يوسف
تعجز الكلمات عن وصف جَمالك وروعة حروفك
وفقك الله دائما
أحمد عبدالملك - الجزائر
ردحذففي كثير مِن الأحيان، يحتاجُ الإنسانُ لمن يُصغي إليه فقط، ويواسيه بكلمة ويدعمه بثناء ويتذكّره بدعوة، فهل يعجزُ أحدُنا عن الكلمةِ الطيّبة، السهلة في أدائها العظيمة في أثرها؟! إنْ عجِزنا عنها فالعزاء لنا في إنسانيتِنا التي تاهت مِنا، وفي قلوبِنا التي غادرتْها الرحمة، وجفّ منها الإحساس.
رائع جدا أستاذ يوسف
علي المالكي - الرياض
ردحذفمقال إنساني عميق ومهم
وعنوانه مؤثر جدا:
لا تنسوهم.!
أسماء سعيد - القاهرة
ردحذفرسالة هامة من الأستاذ يوسف:
أما الذين يرغبون في تدارك إنسانيتهم وإصلاح قلوبهم بالإحسان إلى المحتاجين، ولكنهم لا يعرفون أماكنهم، فإني أقولُ لهم:
ابحثوا عنهم في زوايا الحياة المُهمَلة، فهم في أطراف مُدنكم وقُراكم، طواهم لحافُ النسيان المظلم، وارتحلت الابتسامةُ عن شفاههم، ربما كانوا مِن عابري السبيل، أو ممّن تعرفون مِن أقاربكم وجيرانكم، فتِّشوا عنهم حولكم، اسألوا عنهم إذا غابوا، تفقّدوهم أحوالَهم باستمرار، عُودوهم إذا مرضوا، أعطوهم ما يحتاجون إليه، امسحوا دموعَهم إذا انهمرت، واسُوهم في أحزانهم لتتضاءل، شارِكوهم في أفراحهم لتتضاعف، وأرشِدوا إليهم أهل الخير والإحسان لتكسبوا الدلالة على فعل الخير وتكونوا كفاعله، لستُ أقوم هنا واعظاً لكم، إنما هي ذكرى لي ولكم، وهذا أضعفُ الإيمان.
خالد الأسمري - أبها
ردحذفالأستاذ يوسف الزهراني مبدع في كل مقالاته
يأخذنا معه في رحلة إنسانية جميلة
يكتب عن أحزاننا وأفراحنا بصدق ومحبة
فشكراً جزيلاً له من القلب..
سميرة - الرياض
ردحذفروووعة.. يسلم بوحك أستاذ يوسف