الأربعاء، 18 مارس 2015

حديثُ الصَّمت.!

حديثُ الصَّمت.!

يوسف بخيت الزهراني*

كانت فقرةُ المشهد الصّامت، في الحفل المسرحي أيام الدراسة الابتدائيّة، هي فقرتُنا المفضَّلة، ومضت بنا محطّاتُ العُمر سريعة، ثم تحوّل ذلك المشهد الصامت إلى أسلوب حياة لدى كثيرين، يمارسونه من حين لآخر.
وهنا، كأنّي بسائل يَسأل: وهل للصَّمت حديث؟!
نعم، للصمت حديثٌ وصدى، يَسمعه ويفهمه من كان له قلبٌ يفيضُ بالمحبّة، وعقلٌ يتّقد بالمعرفة والحِكمة.
وقد قيل: الصامتون أكثرُ الناسِ ضجيجا.
ومثلما للحديثِ لغة، فللصمتِ لغةٌ يُتقنها الصامتون، وهي لغةٌ مشتركة بينهم، مهما اختلفت ألوانُهم وألسنتُهم.!
وبحسب الصمت فضلا، أنه يمنحُ صاحبَه الإيمانَ الحقيقي، كما جاء في الحديث: "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخِر، فليقُل خيراً أو ليصمُت".
أما الصمتُ المذموم، فهو الصمتُ عن قول الحقّ، وكتمان الشهادة، ولا يقل خطراً ووبالاً، كِتمان العِلم، الذي يعرّض من يكتمه للّعن والعياذ بالله، يقولُ الله تعالى: "إن الذينَ يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهُدى من بعد ما بيّناهُ للناسِ في الكِتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهُم اللاعنون".
وتتعدّد أسبابُ الصمت ما بين الاحتجاج، كما يُمارسه أحبّاؤنا الأطفال الغاضبون، أو من له رأي خاصّ من الكبار.
وهناك صمتُ الموافقة والقبول، وهو ما ورد في السُّنة المطهَّرة، عن سكوت الفَتاة البِكر عند خِطبتها.
وفي عالم الحُب، تتعطّل لغةُ الكلام بين المحبّين، وتحلُّ لغةُ الصمت بديلاً لها، يقول أحمد شوقي رحمهُ الله:
وتعطّلتْ لغةُ الكلامِ وخاطَبَتْ
عَينيَّ في لُغةِ الهَوى عيناكِ
ومما قرأتُ قديما، هذه العبارة الفاتنة في معناها:
أجمل ما في الحياة، أن تجدَ إنساناً يَفهمُكَ دون أن تتكلّم.!
وتلك - لعَمري - مرحلةٌ متقدِّمة، من الحُب والإحساس والانسجام بين المُحبّين، حين تتآلفُ أرواحهُم، ويَفهم أحدُهما صمتَ الآخر، تماماً كما يفهم حديثَه.!
يبدو أنّي وقعتُ في حفرة الصمت العميقة، فلجأتُ مضطراً لطلبِ المساعدة، وأجريتُ استطلاعاً لطيفا، مع عدد من أصدقائي الفلاسفة، وسألتُهم سؤالاً قصيراً مفاده:
ماذا يعني لك الصَّمت؟
يُجيب الصديقُ الرائع سعيد الأحمد: الصمتُ ليس حِكمة، كما سوّق له الثرثارون العَرب، وليس خِزياً كما يَعتقد العُشاق، الصمت تكتيكٌ مجرّد، لخطوة غير متوقَّعة.!
وقالت الكاتبة كَفى عسيري في إجابتها: الصمت انفرادٌ بالنفس، بعيداً عن وعثاء التّكرار، وصخَب الحياة، ورتابة الكلام.
وكتبت المغرِّدة رَسيس هذه التغريدة: الصمت حديثُ النفْس والروح، عندما يعجزُ اللسانُ عن النُّطق.
أما الصَّديق العزيز منسي الزهراني، فقد انتظرتُ طويلاً وصول إجابتِه، ثم قلتُ له متسائلا:
هل أصابتكَ صدمةُ سؤالي عن الصمتِ بالصَّمت؟!
يبدو أنكَ مازلتَ تفكّرُ بالإجابة، فبعضُ الأسئلة يَستغرقُ التفكيرُ في إجابتِها عُمراً بأكمله، وأمَلي أن لا يكونَ سؤالي لكَ عن الصمت من هذا النوع.!
فجاءتْني إجابتُه بهذه الدهشة:
صِدقاً، حاولتُ الإجابة، لكنّي وجدتُ أن أفضلَ إجابةٍ عن سؤالكَ هي الصَّمت.!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.

للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.

هناك 6 تعليقات:

  1. يوسف بخيت الزهراني ـ كاتب المقال
    الباحة ـ المملكة العربية السعودية

    السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
    أهلاً وسهلاً بكم
    هناك مواضيع وأفكار، عندما أكتُب عنها أشعر بأن المساحة لا تكفيها، وهذا ـ في الحقيقة ـ حال معظم مقالاتي، فأنا أبقى في صراع دائم، مع مساحة الكلمات المتاحة لي من صحيفة مكة، وعددها 400 كلمة، وفي صراع ـ أيضا ـ مع الأفكار المتعلقة بموضوع المقال، وهي كثيرة ومتعدّدة.
    وهذا المقال عن الصمت، ينطبق عليه ما قلتُه تواً.
    فهل تعتقدون أني أوفيتُ الموضوع حقَّه؟!
    أجيبوني، ولا تلتزموا الصَّمت.!
    شكراً لباهي حضوركم جميعا.

    طريقة التعليق على المقال هكذا:
    الذهاب تحت المقال
    ثم نختار: إرسال تعليق
    ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
    ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم
    ومنها نختار: مجهول
    وربما نضع علامة صح في مربع صغير
    أو إدخال رمز بحروف إنجليزية
    ثم: نشر.

    ردحذف
  2. محمد الجهني ـ المدينة المنورة

    نعم، هذا هو مبدعنا الكبير، الأستاذ يوسف الزهراني
    الذي يستمر في كتاباته، المتجددة في روعة الأفكار، وبلاغة الأسلوب، كم أتمنى وأنا أقرأ لك يا أستاذ يوسف، أن لا ينتهي مقالك، بل إني أعود لقراءته مجددا، لكي أستمتع بما كتبتَه، مراراً وتكرارا، شكراً لما تقدمه لنا من روائع أفكارك، وشكراً لما تضعه في حسابك بتويتر، من كتاباتك واختياراتك التي تدل على رقيّ ذوقك وسمو أخلاقك.

    ردحذف
  3. هند سامي ـ القاهرة

    يا لروعة هذا القلم، يا لروعة هذه العبقرية.
    أستاذ يوسف.. كم أتعجب من سلاسة أسلوبك، وإدهاشك للقارئ في كل مرة تكتب فيها، وكأنني أقرأ لكَ لأول مرة.
    وبرأيي هذا هو الكاتبُ الحقيقي، الذي يستمر عطاؤه وإبداعه في جذب القارئ.
    كما يُحسَب لحضرتك، ابتكارك لأفكار مقالاتك، التي أراها تعكس ذكاءك وحلاوة روحك.
    لك تحياتي.

    ردحذف
  4. جواهر ـ تبوك

    هذا أنت يا أستاذ يوسف مبدع ومتألق ومتجدد في الأفكار
    والله والله كأنك تدخل قلوبنا وتعرف ما فيها
    فعلاً فالصمت لغة لا يفهمها إلا صاحب العقل الراجح والقلب الصافي
    ما إن ندمتُ على سكوتي مرةً
    لكن ندمتُ على الكلامِ مرارا!!
    كلام في غاية الرووووعة والجَمال..
    بارك الله فيك وحماكَ من كل عين حاسدة
    يا أمييييير الكلمة
    والله إنكَ أخرجتني من صمتي!!

    ردحذف
  5. ملك /جده
    "للصمت فنون، اتقانه يجعلنا ننتقي الوقت المناسب لنجعله ينوب عنا بأبلغ الكلام، ومتى نلتزمه لنجبر من أمامنا على الاحترام"



    تبقى الحروف حروف.وأنت مختلف والأخرون أخرون.وأنت متألق
    حرفك ساحر وحظورك استثنائي .تملك أسلوب لم يخلق إلا لك وابداع لا يليق إلا بك.

    من كل قلبي اشكرك على عطاءك المميز وكلماتك التي تصدر منها عطور الابداع اللامتناهي
    اثقل الله ميزانك بالحسنات على عطاءك الوجدانيه وكلماتك المحببة و اسلوبك اللطيف الموضوع بقالب يستحق كل الثناء والتقدير..
    دمت للإبداع ودام لنا ابداعك وننتظر جديدك.

    ردحذف
  6. فيصل محمد ـ الكويت

    أستاذ يوسف
    كتاباتك لا نهاية لروعتها
    لا نهاية لجمالها
    لا حدود لدهشتها
    لا مثيل لأفكارها
    لا إبداع يضاهيها
    أنت إنسان بمنتهى الذوق والخيال

    ردحذف