الأحد، 27 ديسمبر 2015

للصَّبر حُدود.!

يوسف بخيت الزهراني

للصَّبر حُدود.! *

مَن صَبر ظَفر، ومَن تأنّى نال ما تَمنَّى، هذا ما علّمتنا إيّاهُ الأمثال، فبالعملِ والاجتهاد والصبر يَنالُ الإنسانُ مرادَه، أمّا إنْ أسعفَه الحظ، وكانت لديه واسطة قويّة، فإنه لا يَحتاجُ لشيءٍ مما سَبَق.
وبالحديثِ عن الصبرِ تحديداً، نلحظُ ما وردَ فيه مِن عظيمِ الأجر وجزيل الثواب، ويكفينا قولُ الله عزّ وجلّ: «وبَشِّر الصابرِين». والسؤالان المهمّان: ما حالات الصبر؟ وما حدّه؟ وللأمانة، فأنا لا أَفرِضُ هُنا رأياً، ولا أسنّ قانونَ حياة، فالتجارب الإنسانية تشتركُ في العناوين، وتختلفُ كثيراً في التفاصيل، فليأخذ القارئُ العزيز ما يَراه صواباً، وليَطرح أي وجهة نظر لا تتفق مع قناعاته.
في بَعضِ الأحيان يَظنُّ الإنسانُ أنه عاجزُ الحيلة، قد استنفدَ احتمالاتِ الحل، وبقي الصبرُ ملاذه الأخير، ولكن هل هذه حقيقة ثابتة في جميع الأحوال؟ كلا، فكثير مِن الحقائق التي نتصوّر صوابَها هي ـ في واقع الأمر ـ صائبة نسبياً.
أعود للإجابة عن تساؤلي السابق، وأقول: الصبرُ ليسَ الحلَّ الأخيرَ لكثير مِن الكُربات والمشاكل، فهناك البحث الدائب عن الحلول، مَهما كنا لا نستسيغُ بعضَها، فالدواء الشديد المرارة تعقُبه الصحةُ بمشيئة الله، بل إن المِبْضَعَ الباردَ والمؤلمَ للجرّاح قد يكونُ سبيلَ النجاة!
إنّ الركونَ للصبرِ وحده عَجْز واستكانة وتخاذل، وتعطيل لدور جوهرة الإنسان الأغلى، العقل!
وربما كان الصبرُ في بَعضِ المواقف وَهْماً كبيراً، يَصنعه الإنسانُ لِذاتِه ويَبقَى يُردِّد: وماذا أَملكُ غيرَ الصبر؟! والإجابة عن هذا السؤال بسؤالٍ مهم: وماذا فعلتَ غيرَ الصبر؟! هذا إذا اعتبَرنا الصبرَ فِعلاً حقيقياً.
الصبرُ ليسَ أرضاً نقفُ عليها دائماً، بل هو قنطرةٌ نعبُرها مِن ضفة البؤس إلى ضفة السعادة، بالسعي الجادّ نحو نوافذ الضوء وشلالات البهجة، وقبْلَ ذلكَ وبَعْدَه بالتوكُّل على الرحمن، والاستعانة به تعالى في كلِّ الأحوال.
وحتى لا أقسو في كلامي على بَعضِ الأشخاصِ والحالات، سأستثني مَن «ضاقت عليهِم الأرضُ بما رَحُبتْ وضاقت عليهِم أَنفسُهم»، فهناك الذين حاوَلوا ثُم حاوَلوا، ومَنحوا لأنفُسِهم ولغيرِهم الفُرصَ تِلو الفُرص، لكن لا مَخرَج ولا تغييرَ يُذكَر، بل دورانٌ في حلقةٍ مُفْرَغةٍ بلا جَدوى، وعودةٌ لنقطةِ البداية في كُلّ مَرّة، هنا فقط، يبقَى الصبرُ المقرونُ بالأمل هو الاختيارُ الوحيد، وحذارِ مِن التضحيةِ لمَن لا يَستحقّ، والركض وراءَ السراب في صحارى الأوهام.
دعوهم يرحلوا لو اختاروا الرحيل، لا تركضوا خَلْفَ الراحلين، ولا تنادُوا لِمَن صَمُّوا آذانَهم، وتَركُوا أصواتَكم تتردّدُ في أوديةِ النسيان.
أنتُم الأهم، صدِّقوني أنتم الأهم، أنتم الأجمَل، أنتُم الأنقَى، فلماذا نَشقَى لأجْل مَن لا يُريدُ أنْ يَبقَى؟
لا تلتفِتوا خَلْفَ ظُهوركم، لا تَتحسَّروا على عُمْرٍ ضاع، وحُبٍ تبدَّد، لا تَلومُوا أنفسَكم، ولا تُقرِّعوها على جَهلِها أو طِيبتِها، اصنعُوا لِذواتِكُم حاضِراً بَهيجاً، استَمتِعوا بِلحظتِكُم الراهنة والقادِمة، وقُولوا بقناعة تامّة: الحَمدُ لله، نَحنُ بخير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا تنسَوهُم.!

يوسف بخيت الزهراني

لا تَنسَوهُم.! *

يشتركون معنا في هذه الحياة، لكننا لا نراهم ولا نشعر بهم، ربما تعمّدنا ذلك، أو لعلها مشاغلنا الخاصّة التي أخذتْنا بعيداً عنهم، حتى نسيناهم.
إنهم الفقراء الذين أذلّتهم الحاجة، والمرضى الذين أنهكهم الوجع، والغرباء الذين أرهقتهم الوحشة، والمنفرِدون الذين قيّدتهم الوحدة، وإذا مضينا أكثر في دروب الحياة، وجدْنا الأيتامَ والأراملَ وأصحابَ الدَّين والهمّ والمسؤوليات الثقيلة.
وقد يقولُ قائل: لديّ ما يكفيني مِن شؤون حياتي، وما يشغلني عن غيري مِن الناس، ولا أملكُ زيادةَ وقت لأركضَ خلْفَ مصلحةِ أحدِهم حتى أقضيها له، وما عندي فائضُ مال أواسي به فقيراً، وهذا كلامٌ صحيحٌ في ظاهره، خاطئٌ في باطنه، فمَهما كان الإنسانُ مشغولاً أو مهموماً أو فقيراً، إلا أن هناك مَن هو أكثر منه انشغالاً وأعظم همّاً وأقسى فقراً، وكما جرى المثل: مَن رأى مصيبةَ غيره هانت عليه مصيبتُه، ولعل في تفريجه لكربة مكروب تفريجاً لكربته، وتسهيلاً لأمور حياته، فمَن زَرع الخيرَ سيحصدُ ثمارَه، هذه قاعدةٌ إنسانيةٌ ثابتة، وسُنةٌ كونيةٌ جارية:
مَن يَفعلِ الخيرَ لا يُعدَم جوازيهِ
لا يَذهبُ العُرفُ بينَ اللهِ والناسِ
في كثير مِن الأحيان، يحتاجُ الإنسانُ لمن يُصغي إليه فقط، ويواسيه بكلمة ويدعمه بثناء ويتذكّره بدعوة، فهل يعجزُ أحدُنا عن الكلمةِ الطيّبة، السهلة في أدائها العظيمة في أثرها؟! إنْ عجِزنا عنها فالعزاء لنا في إنسانيتِنا التي تاهت مِنا، وفي قلوبِنا التي غادرتْها الرحمة، وجفّ منها الإحساس.
ويأتي هنا سؤالٌ في غاية الأهمية: أين يوجد هؤلاء الناسُ المحتاجون لمن يلتفتُ إليهم ويواسيهم على قَدر الاستطاعة؟ والإجابة لا تخفى على مَن أنعم اللهُ تعالى عليه بالرحمة في طبعه، وغمر قلبَه بالشفقة، فهو بإنسانيته الشفّافة وشعوره النبيل يتلمّسُ الحاجاتِ قَبل أن ينطقَ بها أصحابها، ويرى العبراتِ قَبل أن تتحدّر مِن محاجر العيون، ويسمعُ الآهاتِ وإنْ ضَعُفَ حِسُّها، ولا يهدأُ له بال حتى يقضي الحاجاتِ ويكفكفُ العبراتِ ويهدّئُ الآهات.
أما الذين يرغبون في تدارك إنسانيتهم وإصلاح قلوبهم بالإحسان إلى المحتاجين، ولكنهم لا يعرفون أماكنهم، فإني أقولُ لهم:
ابحثوا عنهم في زوايا الحياة المُهمَلة، فهم في أطراف مُدنكم وقُراكم، طواهم لحافُ النسيان المظلم، وارتحلت الابتسامةُ عن شفاههم، ربما كانوا مِن عابري السبيل، أو ممّن تعرفون مِن أقاربكم وجيرانكم، فتِّشوا عنهم حولكم، اسألوا عنهم إذا غابوا، تفقّدوهم أحوالَهم باستمرار، عُودوهم إذا مرضوا، أعطوهم ما يحتاجون إليه، امسحوا دموعَهم إذا انهمرت، واسُوهم في أحزانهم لتتضاءل، شارِكوهم في أفراحهم لتتضاعف، وأرشِدوا إليهم أهل الخير والإحسان لتكسبوا الدلالة على فعل الخير وتكونوا كفاعله، لستُ أقوم هنا واعظاً لكم، إنما هي ذكرى لي ولكم، وهذا أضعفُ الإيمان.
فلنرحم أيتامَنا وفقراءَنا وضعفاءَنا ومرضانا والغرباءَ بيننا، ولنتذكّر دائماً:
«إِنَّ رحمةَ اللهِ قريبٌ مِن المُحسنين».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 26 ديسمبر 2015

أنا أحلم.. أنا موجود.!

أنا أحلم.. أنا موجُود.! *

يوسف بخيت الزهراني

فاتنةٌ هي الحياة، رائعةٌ بكل تفاصيلها، حين تنتظمُ في عقولنا وقلوبنا، كغيماتٍ من الأحلام والأفكار.
عن نفسي، لا أستطيعُ أن أفتح عينيَّ صباحا، وليس لديّ مشروع لحلم صغير، أحقّقه في ساعات يومي.
أما العُمر بأكمله، فهو أحلامٌ اصطفّت بجوار بعضها، في صف طويل منتظم، وكل واحد منها ينتظر ندائي ليغادر عالم الأمنيات، ويدخل عالَم الحقيقة.
بلا أحلام، تغدو الحياة ضرباً من العبث، ومغامرة محفوفة بالمخاطر غير المتوقَّعة، وسيرا إلى المجهول بخطّة لا وجود لها، مع كثير من الفوضى، والفوضى فقط.
هنا تعود بي الذاكرةُ إلى سنين الدراسة، وما زالت الدهشةُ تتملّكني من أحد أصدقائي، حين جلسنا ذات فُسحة إفطار، نتحدثُ بدون سابق موعد، عن أحلامنا بعد الشهادة الثانوية، ويدور الحديثُ فيما بيننا، وتُغلِّف الحيرةُ أحلامَنا، إلا أنّ هذا الصَّديق المتّقد ذكاءً ونباهة، بادرنا بالقول وعن ثقة مُطلقة:
أما أنا فسأصبحُ طبيب أطفال.
هكذا كان الصديقُ يرى حلمَه ماثلاً أمام عينيه، وأعتقدُ يقيناً أنه كان يقول لنا ذلك الكلام، وهو يتخيّل نفسَه مرتدياً معطف الطبيب الأبيض الناصع.
ما الذي حدث بعد ذلك؟
مضت الأعوام، ودخل صاحبي كلّية الطب، متخصّصاً في طب الأطفال، ثم تخرج من الكلّية، وهو اليوم من ألمع أطبّاء الأطفال في المملكة.
الأحلام لا علاقة لها بالأوهام، الأحلام تصورٌ واضح وخطّة مكتوبة لمستقبل نتأمّله، إنها خارطة طريق واضحة المحطات ومرسومة المعالم، يمضي من خلالها الإنسانُ نحو أهداف محدَّدة بعناية، مع حساب المكسب والخسارة، وتوقُّع المعوّقات، وإيجاد الحلول والطُّرق البديلة.
كل ذلك ليس رجماً بالغيب، بل هو في بداية الأمر ومنتهاه، يمضي وفق مشيئة الله تعالى وتدبيره، وعِلمه الذي وسع كلَّ شيء، ودور الإنسان الأساسي في تلك المشيئة الإلهية، هو عمارةُ الأرض، وهذا الأمر لا سبيل إليه، إلا بجرعات يومية من الجِدّ والعمل، مقرونةً بالكثير والكثير من التفاؤل والأمل.
كم ينشغلُ أحدُنا بطول الطريق، ولو أنه جعل من ذلك الطريق رحلةً ممتعة، واستعدَّ لها بوضوح الخريطة وموفور الزاد؛ لسعِد وأسعَد مُرافقيه.
وكم يستبعد الإنسانُ بزوغَ ضوء الفجر، وكأنه لا يعلمُ أن أشدَّ ساعات الليل ظلمة، تلك التي يعقُبها طلوع الفجر.
حياةُ الإنسان تُشبه البيت، فإذا أُغلقت نوافذُ البيت تناقصت فيه كميةُ الأوكسجين، وبدا على سكّانه الضيق والاختناق، كذلك هو الإنسان، فإذا ما أَغلق نوافذَ روحه ومِخياله عن الأحلام؛ تحوّلت حياتُه إلى مجرد وقت يقطعه كيفما صار واتفق، حتى انتشر بين شريحة كبيرة من الشباب قولُ أحدهم لصاحبه: تعالَ بنا نضيّع الوقت.
ويا لها من دعوة إلى التهلكة والانتحار المجّاني، هنا بات لزاماً على الأُسرة والمدرَسة، أن تُشيع ثقافةَ تنظيم الوقت وصناعة الأحلام، ودعمها في عقل الطفل منذ الصغر، حتى يغدو شعاره:
أنا أحلُم، إذًا أنا موجود.!

ــــــــــــــــــ
* المقال تمّ نشره في صحيفة الوطن السعودية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــــــــــــــــ

السبت، 28 نوفمبر 2015

أسئلة الكتابة

أسئلة الكتابة*

يوسف بخيت الزهراني

ثلاثة أسئلة / تساؤلات، هي في الغالب الأسئلة التي تدور في ذهن المشتغلين بالكتابة احترافاً أو هوايةً واستمتاعاً. أول هذه الأسئلة: ماذا أكتب؟ سأجيب ببساطة: أنا أكتب كلَّ ما يخطر في تفكيري ويدور في وجداني، سريعاً بلا انتظارٍ لفواتِ الفكرة وهروبها، أهرع إلى فتح مفكّرة هاتفي المحمول، وأنطلق في كتابة الكلمات، ولا يختلف الأمرُ حين أكون مستلقياً على السرير بانتظار النوم، أو جالساً أتناول طعامي، أو ماشياً أتنزه في حديقة، حتى أَصبح تقييد الأفكار سلوكاً معرفياً لا أتخلّى عنه.
ومِن هنا يمكن القول لمن يحمل بيده قلماً، أو يعمل على جهاز إلكتروني: اكتب ما تفكر به، ولا تحتقر أي فكرة أو تعتبرها سخيفةً لا تستحق الكتابة، فقط اكتبها، وعُد إليها لاحقاً، لتطويرها وتجميلها والزيادة عليها، حتى تصبح في أبهى منظر وأجمل حُلة.
لماذا أكتب؟ لأنني أولاً وأخيراً إنسان، أحمل هموم الآخَرين وهمّي، أختزن في قلبي ذكريات الفرح والألم، أنظُمها في كلمات يغوص بها أحدُ القراء ألماً وحُزناً، ويطير بها قارئٌ آخَر فرَحاً وعشقاً، أكتب ما أشعر به لئلا ألتحف الصمتَ وأفترشَ أرصفة النسيان الباردة.
نعم، في مواقف كثيرة لا تسعفنا الكلمات، تنهشنا أنيابُ الألم، فتمزّق مشاعرَنا، وتتلاشى حروفُ أبجديتنا، لنبقى بلا لغة ولا لسان، لكننا نعود بغريزة التمسّك بالحياة، ننهض مِن جديد، نقاوم العقبات ونحارب الأوجاع بسلاح الأمل، وندوِّن الذكريات بحبر الدم والدموع، لتبقى تلك السطورُ رسائلَ للعابرين، يتأمّلونها ويحاولون تلبّس مشاعرَ كاتبها، ويجدون بها عزاءً لأحزانهم وآلامهم، يقتبسون منها سطوراً، يكتبونها في أوراق معطَّرة يرسلونها لأحبائهم، أو ينتقون منها كلماتٍ يبعثونها برقياتٍ عاجلة، تعبّر عن لواعج الشوق وآهات الحنين.
لمن أكتب؟ للحياة، للناس، لكل الكائنات، للمجروحين والمهجورين في الزوايا المظلمة، للمطعونين والمغدورين بخناجر الوعود الزائفة، لمن مزّقَتهم أنصال الأوهام، وابتلعتهم ثقوب الكذب السوداء، وفرّقتهم الظروف القاسية، فباتوا بعيدين عن أحلامهم، مرافقين لأحزانهم، يراقبون طلوعَ الشمس وظهورَ القمر، وتجدّد الأيام والليالي، على أمل تجدّد أفراحهم وانبعاثها بَعد موتها.
أكتب لهم وعنهم وإليهم، لا أتسلّى بقصصهم، ولا أرقص على جراحهم، ولا أبيعهم الأوهام، بل أفتح لهم نوافذ الأمل بيوم أجمل يصنعونه بأيديهم أولاً، وأدفع إلى صدورهم هواءَ التفاؤل بمستقبَلٍ أفضل يبنونه برغبتهم دون سواهم، وأُشعل لهم شموعَ الفرح، ليحافظوا عليها متّقدة مهما عصفتْ بها الأنواء.
ويبقى طريقُ الكتابة ذلكَ الطريق الأخضر الممتدّ، يأخذنا إلى روضات الفكر وبساتين البهجة وآفاق الدهشة اللامتناهية، محاولين المضيّ بإنسانيتنا إلى دنيا السعادة الغامرة لأرواحنا وعقولنا، كلما شملتنا الفرحةُ سطّرناها حروفاً من غيمات وفراشات وورود، وكلما باغتتنا الهموم أفرغنا سوادَها على الأوراق البيضاء، متخفّفين مِن بعض أحمالها، يقيناً منّا بأن الحياة مليئة بلذة لن نشعر بطعمها، ما لم نتجرّع بعضَ مرارات الغُصص.

ــــــــــــــــــــــــ
* المقال منشور في صحيفة الرؤيَة الإماراتية.
ــــــــــــــــــــــــ

الأربعاء، 29 أبريل 2015

بوابة الأمَل.!

بوابة الأمَل.!

يوسف بخيت الزهراني*

أَعرفُها جيدا: قوية في إيمانها، راقية في أخلاقها، شاملة في ثقافتها، بهيّة في حضورها. من المؤكد أنها قرأت أو تقرأ أو ستقرأ هذا المقال، لذلك لا أستطيع أن أسبّب لها أوجاعاً فوق أوجاعها، سأحاول الكتابةَ عن الجانب المشرق في حياتها، وهو يستأثر بالمساحة العُظمى من حياتها الزاخرة بكل جميل.!
أملي أن أكتب ما تستحق، لأنها جديرةٌ بالتقدير والشدّ على يدها، حتى تتمكّن من إكمال دربها، الذي لا يخلو من العوائق.
هكذا أراها أنا، تعاني من حياتها وظروفها، أما هي فتنفجر ضاحكة حين أسألها عن شعورها، تجاه ما يحدث معها من غريب المواقف والأقدار.
لقد اخترتُ أن أصِفها ببوابة الأمل، وهي صفة تنطبق عليها بشكل كبير، ولعلكم توافقوني حين تقرؤون السطورَ القادمة.
ودّعتْ بطلةُ حكايتنا زوجَها، بعد سنين طويلة من الزواج، وبعد وفاة زوجها - رحمه الله - بأسابيع، أنجبتْ طفلا لم يعش سوى أيام معدودة.
في إحدى غُرف منزلها تطبّب عمَّها ووالد زوجها الراحل، وعمها شفاه الله، به الكثير من الأوجاع التي تجعل حالته الصحية شديدة الصعوبة، وفي غرفة أخرى من المنزل تلاعب أطفالها وأطفال إخوانها وأخواتها، الذين يأتون إليها لأسباب اجتماعية متنوعة.
نعم، هي بوابةُ الأمل، تودّع أرواحاً وتستقبل أخرى.
لها مع الموت أكثر من قصة، ولها مع الفراق حكاياتٌ طويلة موجِعة، لكنها تكتسي بالإيمان والصبر، حتى لا تنكشفَ للناس عورةُ أوجاعها، ولا تفضح للقريب والبعيد ما خفي من أسرار قلبها، المليء بهموم تشكوها لخالقها تعالى دون سواه.
تنقل خطواتها وتقضي وقتها كالنحلة، بين مريض أعياه المرض، وباتت أيامه القادمة أقل من أيامه الماضية، وبين أطفال يخطون خطواتهم الأولى في رحلة الحياة، فما أعجَب أمرها، وما أغرب حكايتها.!
تجلس مع المريض الذي لا يكاد يشعر بوجودها، وبالكاد ينطق بضع كلمات، وإن نطق فهو يسأل عن الزمن الذي يتضاءل منه شيئاً فشيئا، ويسأل عمّن جاء لزيارته من أبنائه وبناته، المشغولين بحياتهم الخاصّة عن رؤية ورعاية أقرب الناس إليهم.
ثم تنتقل إلى مجالسة الأطفال، النابضين بالحياة والبهجة والنشوة، تسألهم عن مدارسهم، وتساعدهم في مذاكرتهم، وتتحدّث معهم عن أحلامهم، بل وتشاركهم لحظات مرحهم، وكأنها طفلة في سنهم.
هي تفعل كل ذلك بنفْس راضية وقلب منشرح، ومع هذا ترى أن لديها وقت فراغ تقوم فيه بالقراءة والكتابة، وتعلّم مهارات جديدة تنمّي بها جوانب مختلفة من شخصيتها.
هذه الإنسانة الرائعة صاحبة العطاء الفيّاض، ليست وحيدةً في ظروفها، فهناك كثيرون يشبهونها من الرجال والنساء، الذين يمنحون الحُب ويبذلون المعروف، دون أن ينتظروا حتى كلمة شكر من الطرف المقابل، بل يفعلون كل ذلك ولسان حالهم يردّد الآية الكريمة: "إنما نطعمكُم لوجهِ الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا".

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.
ــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عِبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < للعودة للمقالات السابقة.
ــــــ
للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــ
التعليق على المقال من جهاز الكمبيوتر الشخصي
(اللاب توب)
أسهل منه عن طريق الجوال.
نكتب في جوجل:
مدونة يوسف الزهراني
ثم نختار النتيجة التي تظهر بها آخر 6 مقالات مضافة، نفتح المدونة، ثم نختار أحدث مقال،
وننزل أسفل المقال لإضافة التعليق.
طريقة التعليق هكذا:
الذهاب تحت المقال
ثم نختار: إرسال تعليق
ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم لاختيار ملف التعريف،
ومنها نختار: مجهول
وربما نضع علامة صح في مربع صغير،
أو إدخال رمز بحروف إنجليزية،
ثم: نشر.
شكرًا للجميع.

الأربعاء، 22 أبريل 2015

أُفتِّشُ عن إنسَان.!

يوسف بخيت الزهراني*

أُفتّشُ عن إنسَان.!

لو سألتُ حضراتكم عن أهم ما يحتاجه الإنسان في الحياة، فإن الإجابات ستذهبُ غالبا إلى المأكل والمشرب والتنفس، وهي أمور هامة فعلا، لكن سؤالي أبعد من ذلك، واختصارا للوقت أقول: إن شعورَ الإنسان بإنسانيته هي أهمُّ أمر يحتاجه الإنسان في حياته، وهذا ليس مجرد حديث يُقال وشعارات يتم ترديدها، بل هو مبدأ يعيش به الإنسان ويموت عليه، فمتى ما استشعر الإنسانُ أنه تام الإنسانية، مكتمل الآدمية؛ فإنه سينطلق للقيام بواجب الخلافة على الأرض، مشيداً صروح العدل وزارعاً بذور الفضيلة.
والسؤال الهام هنا: كيف للإنسان أن يحقّق إنسانيته الحقيقية؟
ويا له من سؤال خطير، مَن تأمّله وأجاب عنه فقد مضى نحو الأجمل والأكمل، ومن احتار في الإجابة فقد تعِس وأتعَس مَن معه.
ولعلنا نجِد الإجابة فيما سيأتي من هذا المقال.
خرج الفيلسوفُ اليوناني ديوجين إلى السوق نهارا، وهو يحمل بيده مصباحا، فلما رآه الناس استنكروا فعله، وسألوه عن السبب، فأجابهم بإجابته المشهورة: أُفتّشُ عن إنسان.!
فكيف يفتشُ عن إنسان، مع أن الناس كانوا يحيطون به من كل جانب؟!
إن المعنى الذي أراد ديوجين إيصاله للناس في ذلك الزمن البعيد، هو أن يحقّقوا إنسانيتهم، ولا يشغلهم تحصيلُ الذرية وجمع الأموال - مع مشروعيته - عن ذلك الهدف الأسمى.
بلمحة سريعة لتاريخ البشرية من عهد أبينا آدم عليه السلام، سنجد العديد من أسماء الأنبياء والمرسلين صلوات الله تعالى وسلامه عليهم جميعا، ختاماً بسيّدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكل أولئك الرجال العُظماء حَملوا معهم المنهج الربّاني القويم، وكانوا شموساً بدّدت ظلمات الفكر والروح، وأشرق ضياؤهم على هذه الأرض عدلاً ورحمةً وإحسانا، وما إن يغادر أحدُ أولئك الرسل الكرام هذه الدنيا؛ حتى ترتدّ البشريةُ إلى عبثيتها، متخلّية عن ذلك المنهج، سافكةً الدماء، مهلكةً الحرث والناس، جرياً وراء المطامع الذاتية، وانتقاماً للنفس الجشعة، التي لا تتوقف عن ارتكاب الخطايا.!
وبناءً على ما تقدّم، فإن الإنسانَ هو المسؤولُ عن تزكية نفسه، وإصلاح حاله، ومراجعة ما يتبنّاه من أفكار تحكُم أفعاله.
ولربما كان أغلبُ تلك الأفكار مجانباً للصواب، بعيداً عن تحقيق معاني الإنسانية، ومع ذلك يتبناها كثير من الناس ويعيشون بها، ولو أنهم فحصوها وأمعنوا العقلَ والفكرَ فيها؛ لاتضح لهم ضعفُها وهشاشتُها، ولعلموا أن حياتهم عبارة عن بالونة كبيرة، يملؤها غاز الوهم.!
من هنا، بات لزاماً على الإنسان، أن يعقد لنفسه مَحكمةً ذاتية، يكون فيها هو الخصمُ والحَكم، وغالب الظن أنه الأدرى بحاله، والأعلم بما اقترفتْ يداه، حتى خرج عن مسمَّى الإنسانية ونورها الساطع، وذهب يتخبّط في ظلماتٍ لا صُبح لها.
لعله يخرج من تلك المحاكمة بحُكم منصف على نفسه، مجاهداً في تزكيتها، والعودة بها إلى طريق الحق والخير والجَمال.!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.
ــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عِبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < للعودة للمقالات السابقة.
ــــــ
للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــ
التعليق على المقال من جهاز الكمبيوتر الشخصي
(اللاب توب)
أسهل منه عن طريق الجوال.
نكتب في جوجل:
مدونة يوسف الزهراني
ثم نختار النتيجة التي تظهر بها آخر 6 مقالات مضافة، نفتح المدونة، ثم نختار أحدث مقال،
وننزل أسفل المقال لإضافة التعليق.
طريقة التعليق هكذا:
الذهاب تحت المقال
ثم نختار: إرسال تعليق
ونكتب التعليق الذي نريده، مع ضرورة كتابة الاسم والمدينة في البداية.
ثم نذهب إلى خانة: التعليق باسم لاختيار ملف التعريف،
ومنها نختار: مجهول
وربما نضع علامة صح في مربع صغير،
أو إدخال رمز بحروف إنجليزية،
ثم: نشر.
شكرًا للجميع.