السبت، 13 فبراير 2016

أَحِبُّوا أَنفُسَكُم

يوسف بخيت الزهراني

أَحِبُّوا أَنفُسَكُم *

الشائع بين الناس عن الشخصِ الأناني أنه المحب لنفسه، وهذا تضييق خاطئ لمفهوم حُب الذات، ولستُ في حاجة هنا لإيضاح معنى الأنانية، لكن هل مِن الخطأ أنْ يحب الإنسانُ ذاتَه؟! وبما أنّي أعشق الفلسفة، فسأنطلق في السطور القادمة لمحاولة الإجابة عن السؤال السابق.
حُب الذات يا أعزائي لا يعني الأنانية، أو العزلة النهائية عن الناس، بل إنّ المحبّ لنفْسه والمتسامح معها، يفيض محبةً على الآخَرين، ويسعَد بمشاركتهم لحظاتهم الحزينة والسعيدة، أما الشخص اليائس والمحبَط فإنه كاره لنفسه، لتوهمه أنه في ظلام، بينما كلّ ما حوله نور وأمل.
إذا أحبَبنا أنفسَنا أحببنا غيرَنا، فالسلام والصفاء يبدأ مِن داخلنا، ثم ينتشر ويشعّ رحمةً ونورًا وسعادةً تغمر القريبَ والبعيد، ويهطل غيثُ المشاعر على قلوب أضناها هجيرُ الفراق وآلام الحياة، فتنبت زهورُ الأمل وتورقُ رياحين التفاؤل.
عند ركوبنا الطائرة، نشاهد تعليمات السلامة في حالة الطوارئ لا قدّر الله، ونلاحظ الإشارة إلى ضرورة وضْع قناع الأوكسجين لأنفسنا أولاً، ثم وضعه لأطفالنا بجوارنا، فهل هذه أنانية؟! كلا، بل هي تأكيد على أنّ مساعدة أحدِنا لنفْسِه، تؤهله بقوة لمساعدة غيره.
في حوار لطيف ظريف خفيف مع صديق، قال لي: في كلامك تناقض واضح، فكيف تحب نفسَك، وتزعم أنك تحب أحبابَك وأصدقاءك؟ أجبتُه: يا صديقي الأثير، أنتَ تتحدث هنا عن قِصتين للحُب، بينما لا توجد إلا قصة واحدة، قاطَعَني الصديقُ متسائلاً: كيف ذلك؟! قلتُ له: يا عزيزي: أَحبّتي وأصدقائي جزء أصيل منّي، وأنا حين أحبهم فأنا في واقع الأمر أُحبُّ ذاتي.!
أعزائي، إذا رأيتم إنساناً بطبعٍ غليظٍ وأخلاقٍ سيئة، وغضَبٍ مستمرٍ بلا مبرر، فاعلموا يقيناً أنه كاره لنفسه، وفي خصومةٍ دائمةٍ معها، والأسباب يُسأل عنها الشخص دون غيره، فهو الأدرى بحاله، وإن كان يجهل الأسباب، فإن أعظم الجهل أن يجهل الإنسان كوامن نفْسه.!
ويا للعجب حين نصاحب أقواماً مُدة مِن الزمان، ولا نتذكّر أننا شاهدنا أسنانَهم في مرّة مِن المرات. وما ذاك إلا لتجاهلهم ـ وليس لجهلهم ـ أنّ الابتسامة صدقة مِن الإنسان على نفْسِه وغيرِه، كما جاءت بذلك السيرة النبوية العطِرة لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي أدبنا العربي قصيدة شامخة إبداعاً وحكمة، للشاعر إيليا أبو ماضي، اخترتُ منها هذه الأبيات خاتمةً للمقال:
قلتُ: ابتسِم، يَكفيكَ أنَّكَ لَمْ تَزَلْ
حيّاً ولستَ مِنَ الأحبّةِ مُعْدَما
قال: الليالي جَرَّعتْنِي عَلْقَما
قلتُ: ابتسِم، ولئنْ جَرَعْتَ العَلقَما
فلعلَّ غيرَكَ إنْ رآكَ مُرَنَّما
طَرَحَ الكآبةَ جانباً وتَرنَّما.!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 6 فبراير 2016

إلى أبطال الحَدّ الجنوبي

يوسف بخيت الزهراني

إلى أبطال الحَدّ الجنوبي *

يهدينا أحدهم هدية ثمينة أو رخيصة فنطير بها فرَحاً، وقد يصنع لنا إنسان معروفاً فنشكره عليه حيناً من الدهر، وربما يبتسم شخص في وجوهنا فنعتبر ابتسامته باباً للفرح، لا شك في أن هذه الأشياء والمواقف قيمتها غالية وأثرها الإيجابي يبقى في النفْس والذاكرة مدى العمر.
لكن ما رأيكم في من يهدينا حياته ويضحي بسعادته وراحته لأجلنا؟ ماذا تقولون في الذين يفترشون أديم الأرض ويلتحفون زرقة السماء؟ لا يتأمّلون النجوم ليلاً ولا يتمتعون برؤية الأرض وكائناتها وتضاريسها نهاراً، بل ينهمكون في أمر يهمّنا دون غيرنا.
كيف تكافئون من فارقوا زوجاتهم وأطفالهم وأقاربهم ومنازلهم لنسعد في منازلنا ومع عائلاتنا؟ في أي مكانة تضعون أولئك البشر الأكثر عَظَمة وشجاعة ورجولة وتضحية؟ وما السبيل لردّ معروفهم؟
إنهم رجال القوات المسلحة بمختلف فروعها في المملكة العربية السعودية وفي دولة الإمارات ودول التحالف المشاركة بعمليات عاصفة الحزم، المرابطون على حدود المملكة الجنوبية دفاعاً عن المملكة وَرَدّاً لعدوان عصابات الإجرام والفساد التي تعيث خراباً في أرض دولة اليمن الشقيق، حيث أرسلتْ قيادتُها الشرعية طلباً للنصرة والعون من المملكة ووقْف العبث بأمن المواطنين اليمنيين ومقدَّرات بلادهم. فكانت لحظة الحقيقة وساعة الحزم، وانطلقت العمليات العسكرية لعاصفة الحزم فجر يوم الخميس 26 مارس 2015، وبتحالف ضمّ عدة دول عربية وإسلامية تقوده المملكة.
تحية لكم جميعاً أيها الأبطال، وهنيئاً لبلدانكم بشجاعتكم أيها المغاوير، وهنيئاً لدولة اليمن الشقيق وأهلنا فيه بتضحياتكم الفريدة، تمنعون عن اليمن وشعبه الأبيّ الضيم، وتكسرون شوكة الظلم، وتقصمون ظهور أفراد تلك الشرذمة الحمقى الذين باعوا أنفسهم للشيطان.
يا أيها الأبطال في الحد الجنوبي، يا جنود الحق والعدل، بدم القلب أكتب إليكم وبصوت المحبة أناديكم. تأكّدوا أنكم في عقولنا التي تفكر بكُم وتنشغل على سلامتكم دائماً، وأنتم في قلوبنا التي تحتضنكم بصادق الدعاء لكم كل حين بالنصر والتمكين، فامضوا في مهمتكم الإنسانية النبيلة، تحفّكم عناية الرحمن ويحوطكم لطفه عزّ وجلّ.
أيها الفُرسان الأشاوس من جنود المملكة وشقيقتها دولة الإمارات ودول التحالف العربي، لقد أصبحتم مضرب المثل في الشجاعة والتضحية والإقدام حين حملتم أرواحكم في أيديكم وبعتموها ابتغاء وجه الله تعالى، لينال عدد من إخوانكم شرف الشهادة في سبيل الله عزّ وجلّ، فرحمة الله تعالى عليهم ولأهلهم وذويهم خالص العزاء.
عاشت أوطاننا حرة أبية، ولا نامت أعين الجبناء والخونة في كل زمان ومكان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 30 يناير 2016

اِسأل عنّي.!

يوسف بخيت الزهراني

اِسأَل عنّي.! *

سُمِّي الإنسانُ بهذا الاسم لأنه يَنسَى، قال الشاعر قاسم الشيراوي رحمه الله: وما سُمّي الإنسانُ إلا لنسْيهِ .. ولا القلبُ إلّا أَنهُ يَتقلّبُ، وهناك مَن قال: تسمية الإنسان مشتَقة مِن الأُنس، وهذه حقيقة تؤكّدها مسيرةُ الإنسان التأريخية، فهو كائن اجتماعي كما تصفه العلومُ الإنسانية، يَأنس بغيرِه، وغيره يأنس معه.
أما عزلة الإنسان فهي فِعل اختياري، يَحدُث لأسباب تنتهي العزلةُ بانتهائها، ليعود الكائنُ البشري إلى مخالطة مجتمعه مِن أُسرة وأصدقاء وغيرهم، يجد نفْسَه قوياً بينهم، يشاركهم الحُزن والسعادة والمعرفة.
في المجتمع الإنساني تمتدّ جسورُ العلاقات بين البَشر، فهذه عائلة وأقارب، وهؤلاء جيران وخلّان، وأولئك أصحاب وأحباب، تربطهم جميعاً أواصرُ المحبة ووشائج القُربى ومعاني البِر والإحسان.
على حين غِرة، تأخذنا همومُ الحياة ومشاغلُها التي لا تنتهي، لتبعدنا زماناً ومكاناً، قليلاً أو كثيراً، عن قريبٍ وحبيبٍ، أو عن صاحبٍ وصديق، فتتسلّل الوحشةُ لقلوبهم وقلوبنا، ونقترب أو نكاد، مِن نسيان ملامح وجوههم التي كانت لا تفارِقنا.
وفي مساحات البُعد وأزمنة الفراق، تأتينا الأسئلةُ مِن أعزائنا معطَّرةً بالودّ، وتصلنا رسائلُهم مغلَّفةً بالشوق، تُشرق بها شاشات هواتفنا، فتسري البهجةُ لقلوبنا المنهكَة، ويشعّ السرورُ بأعيننا الغارقة في دموع أحزانها. ربما لا تتعدّى إحدى المكالمات أو رسائل المحبة كلمتين: اشتقتُ إليك. لكنّ اتصالاً سريعاً، أو رسالة حُب قصيرة كفيلة بتبديد ظلام أحزاننا، ورسْم الابتسامة على شفاهنا. ومهما اختلفت كلمات الرسائل والاتصالات وتنوعتْ بينَ المحبِّين، فإنّها تريد القولَ لقارئها وسامعها: أنا أُحبك.
هذه طبيعة الإنسان، يشعر بقيمته إذا وجَد مَن يَسأل عنه، ويَمسح دموعَه، ويسمع شكواه، ويواسيه بكلمةٍ صادقةٍ وشعورٍ نبيل، لتتلاشى أحزانُه ويهدأ قلبُه. أما السعادة فإنها تتضاعف حين نتشاركها مع مَن نحبهم، فنفرح بما تحقق لنا، ثم نفرح إذا حَضر صديقٌ أو اتصل ليفرح معنا ويهنئنا بمناسبة وكأنّ الأمرّ يعنيه تماماً.
وكَم يتعاظم الأجرُ إنْ شاء الله، عندما يَسأل أحدُنا دائماً عن أُمّه التي قضت زهرة عُمرها في تربيته ورعايته، ويزورها مهما بذل مِن عناء في سبيل الوصول إليها، ولا يَنسى أبداً السؤال عن أبيه وزيارته، فهو الذي ضحّى بصحته وراحته ليرتاح أبناؤه وبناتُه ويَسعدوا. ولا تُهمِلوا السؤالَ عن أقاربِكم، خصوصاً اليتامى وكِبار السنَ والمحتاجِين مِن أرامل وفقراء، ومَن أَقعدهم المرض.
وتعالوا نقرأ هذه الأبيات، التي أحفَظها منذ زمنٍ طويل ولَم أتوصّل لمعرفة قائلها:
يا مَن ينوحُ فؤادي خَلْفَ مَوكِبِهِ
ومَن ترفرفُ روحي حَولَ مَغْناهُ
ماذا تَرَكْتَ بقلبِي بَعدَ ما نَسَجَتْ
كفُّ الخَريفِ لهُ حَرَّى بَلاياهُ؟!
هلّا ذَكَرْتَ زماناً ظَلَّ يُسعِدُنا
نَقضي حياةَ المنَى في ظِلِّ دُنياهُ؟!
تَسعَى إلينا الأماني في ظلائلهِ
وتستخِفُّ بِنا أحلامُ دُنياهُ
ما زلتُ أَذْكُرُهُ في كُلِّ آونةٍ
رغمَ الصُّدودِ وأنتَ اليومَ تنساهُ.!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 23 يناير 2016

وَجَع الأسئلة

يوسف بخيت الزهراني

وَجَع الأسئلة *

حين يبدأ الطفلُ في تكوين قاموسه اللغوي، تسأله أمه بسعادة: مَن أنا؟ فيجيبها بسعادة أكبر: ماما. وتجري به الشهور والأعوام، ثم يبدأ هو في طرح الأسئلة على أمه وأبيه ومَن يشاركونه المنزل، ولا يترك الطفل أداة مِن أدوات الاستفهام إلا ويستخدمها.
وكلما زاد عُمر الإنسان ووعيُه؛ تزايدت أسئلتُه، وراح يراجع الإجابات القديمة، يَستبعد منها الإجاباتِ الخاطئة والوهميّة، والتي قد يكون بَنى عليها مواقفَ خاطئة واعتقاداتٍ واهمة، قادتْه بالضرورة إلى دروبٍ صعبة أو طويلة، ولا تقلّ الخسارةُ حين قادته تلك الإجابات إلى اللا شيء. لكن أكثرَ الأسئلة حيرةً في حياة الإنسان، هي التي تبدأ بأداة الاستفهام: لماذا، ولا تسألوني: لماذا؟ هكذا طبيعة الحياة ومواقفها، حتى وأنا أكتبُ هذه السطور، أسأل نفْسي: لماذا أكتب؟ وسأتجاوز الإجابةَ عن هذا السؤال تحديداً؛ لأني أجبتُ عنه في مقال بعنوان: أسئلة الكتابة.
ربما كان السؤال بـ «لماذا» صعباً ومحيِّراً، لأنه يبحث عن الأسباب ويجري وراء الحقيقة الضائعة، التي يدّعي الجميع امتلاكها، ويضع السائلَ والمسؤولَ في دوائر مغلَقة لا خروج منها إلا بالصدق، ولا شيء غير الصدق.
الحياة سؤالٌ كبير، تتفرّع منه أسئلةٌ لا تنتهي، وكأنّ حياتنا شجرة ضخمة، والأغصان هي الأسئلة التي تتفرّع بلا توقف، أما الثمار اليانعة فهي الإجابات التي نَسعى إلى قطفِها.! ومتى ما نجح الإنسانُ في الإجابة عن أسئلة الحياة، فإنه بإذن الله تعالى سيسير في بساتينها سعيداً هانئاً راضياً، لا تخيفه النوائبُ ولا تهزه العواصف، فهو ثابت اليقين عميق الإيمان واثق الخطوات.
وعندما يبني الإنسان أفكاره ومعتقداته على قواعد ثابتة ورؤى واضحة، فإنّ بنيانه يعلو شامخاً يطاول السحاب، ويقابل الشمس ويعانق الضياء، ويرسم حياتَه لوحةً زاهية الألوان. وتمتدّ رحلةُ الإنسان في البحث عن الحقيقة لتستغرق عمره بأكمله، يخفق حيناً وينجح حيناً، وربما ينشغل في جزء مِن عمره بالبحث عن إجابات لأسئلة لا قيمة لها، ويلهيه ذلك عن تحصيل إجابات الأسئلة المهمّة.
الخطير في رحلة البحث عن الحقيقة والمعرفة، أن نتوهّم امتلاكهما مِن أشخاص بعينهم، واحتكارهم لهما دون غيرهم، فالحقّ ما قالوا والصواب ما فَعلوا، بينما هُم يخبطون خبْط عشواء، ولا يفرّقون بين النقير والقطمير.
لا أحد يعترض على اتخاذ القدوة مِن الناس، أو ما يُوصف بالمثل الأعلى، ولكن حتى الشخصية التي قد نرى فيها مثالاً كاملاً فهي لا تحيط بكلّ شيءٍ عِلماً، فإدراكها يقتصر على جوانب تخصّصها وتجربتها فقط.
ولهذا فإنّ تعدّد قدوات الإنسان في مجالات عدة، يشكّل شخصيته ويثريها ويصقلها على نحو أفضل وأجمل، مع الأهمية الكبرى لإنضاج الفرد لتجربته الذاتية، والتعلّم مِن المواقف الحياتية المتنوعة، وصولاً إلى تكوين قناعاته الخاصّة. وتمضي الحياة، ويبقَى أشَدّ الأسئلة وجعاً تلكَ التي نَعرفُ إجاباتها، لكنّنا لا نَقوَى على النطقِ بها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 16 يناير 2016

صَديقي .. دَعني أتنفّس

يوسف بخيت الزهراني

صَديقي .. دَعني أَتنفّس *

الصداقة رابطةٌ إنسانية وثيقة وعميقة، عند مَن يَعرفون قيمتَها ويحترمون عهودَها، وخير دليل على صحة هذا القول أنّ الله تعالى خلّد تلك الصحبة العظيمة بين نبيّنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلّم، وبين سيّدنا أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، فقال الله تعالى «إذ يقولُ لصاحبِه لا تحزن إنّ الله معنا».
نَعم، الصداقة رباط روحي قوي، يشدّ أرواحَ الأصدقاء لبعضها، بل يمزجها لتصير روحين في روح واحدة، يشعر فيها الصديق بآلام صديقه، ويشاركه فرحته، وكأنّ الحُزن حزنه والفرحة فرحته تماماً.
وهنا لا مبالغة في القول، حين نسمع أنّ كثيراً مِن الأصدقاء يستشعرون ما يختلج في نفوس أصدقائهم مِن مشاعر، حتى قَبل أن ينطقوا بها وتفصح بها ألسنتهم، وهذا سر مِن أسرار الصداقة النقيّة الراسخة، التي لا تلوّثها المصالح، ولا تغيّرها الظروف!
للصداقة عهود يَعرفها ويرعاها الأصدقاء الحقيقيون، تتعدّد لتشمل الوفاء بالوعود حسب الاستطاعة، وكتمان السر، وحِفظ الأمانة، والثقة الأبدية بين الصديق وصديقه، وبذل النصيحة بكلّ إخلاص، ويظلّل كلّ ذلك سحابة بيضاء، تهطل نُبلاً ومَحبةً وثِقةً، لا تفنَى ولا تزول ولا تتبدّل!
هناكَ مَن يَعتقدون بأنّ مِن حقهم التواصل مع أصدقائهم، ومناقشتهم في كلّ شيء متى وأينما شاءوا، وهذا مزلق خطير وخطأ فادح، يقضي على مساحات الصداقة الخضراء، وينقض عُراها الوثيقة.
يا معشر القراء الكرام والقارئات الكريمات، عندما يبوح لنا صَديق بسرّه فهو قد اختار البوح بإرادته ورغبته، لكنّ ذلك ليس مبرراً يجعلنا نلحّ في السؤال عن كلّ أمر يعنيه، خصوصاً إذا كان لا يرغب الحديث عنه.
وعلاقة الصداقة الحقيقية لا تجيز لنا الاتصال بأصدقائنا في كلّ حين، بحُجة أنّهم أصدقاؤنا ولن يزعجهم اتصالنا بِهم، ولو كنّا نعتبرهم كذلك حقيقةً لما أقلقنا راحتهم، وكدّرنا أوقاتَهم بكثرة طلبهم على الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة.
على الصَّديق الواعي أن يتحلّى بما يُسمَّى بالذكاء العاطفي، ولهذا النوع مِن الذكاء تعريفات كثيرة، سأكتفي بواحد منها وهو: قُدرة الإنسان على التعرّف على مشاعر الآخَرين، وعلى مشاعره الشخصيّة، وذلك لتحفيز نفْسِه، وإدارة عواطفه بشكـل سلـيم وجيّد في علاقته مع الآخَرين.
وتتسع دائرة الذكاء العاطفي لتشمل العلاقة بين الأزواج، وبين الأب والأم وأولادهم، وبين الناس جميعاً على اختلاف الروابط والأماكن التي تجمعهم، سواء كانت واقعية أو افتراضية عبْر وسائل التقنية الحديثة.
والصديق الذكيّ هو الذي يراجع علاقته بصديقه دائماً، ويتفقّد مواضعَ قوة الصداقة فيستمر عليها، ويلاحظ ما تقادم منها ويجدّدها، ويكفي في ذلك اعتذار صادق وكلمة إطراء وهدية معبّرة، تضخّ دماء المودّة في شرايين الصداقة، وتدعم بنيانها.
أحياناً، لا بأس بالابتعاد المؤقَّت عن الذين نحبهم، بل إنه أمر ضروري، فلا تخنقوا أحبابَكم، وامنحوهم بعضَ الخصوصية، ليبقَى الحُب وتدوم الصداقةُ وتتجدّد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحد، 10 يناير 2016

في بيتِنا القديم.!

يوسف بخيت الزهراني

في بيتِنا القديم.! *

دون موعد سابق، تقودنا الأقدار وتحملنا الأقدام إلى أماكن لا نتوقع أننا سنعود إليها ذات يوم، لا لسبب محدَّد، ولكن لظننا أن ذكريات تلك الأماكن قد رحلت، وبالتالي فما معنى العودة إليها بلا ذكريات ولا ذاكرة؟
بمجرد وصولنا إلى تلك البقعة العزيزة، تنهال غيمة الذاكرة بمواقف لا تنتهي، تروي عطش القلب وظمأَ الروح وجفاف الوجدان، وتختلط مشاعر الأشجان والحنين.
ماذا أقول والعبرات تترقرق؟ ماذا أحكي والشوق يعود بي إلى سني طفولتي؟ ماذا أكتب والمواقف تزدحم في العقل؟ فأنا سأتحدث بالضرورة عن بعض ذكرياتي مع والدي رحمه الله.
أفتح الباب الصَّدِئ لمنزلنا القديم، أنقل بصري وخطواتي في حجرات البيت المعدودة، يا الله .. هنا كان يجلس أبي ـ غفر الله له ـ يفتح مذياعه في ليالي الصيف المنعشة وينصت إليه باهتمام، وفي المكان ذاته كنا نجلس معه جميعاً لتناول طعام الإفطار في شهر رمضان.
يا الله .. كأني أستمع إلى صوت أبي ـ عليه شآبيب الرحمة ـ يَعبر روحي، يحثنا على مذاكرة دروسنا، أو يوجّه المخطئ، ويثني على المصيب، ويسأل عن الغائب منّا عن نظره، سقى الله عهده من زمن.
لن أنسى ذكرياتي في منزلنا القديم مع أمي الحبيبة ـ رعاها الرحمن ـ سيدة القلب الأثيرة، وصوت الحب الذي امتلأت خلايا جسدي بنغماته، وأول وجه رأته عيناي وفاضتا بمحبته، وهل ينسى الإنسان نفسه؟
أُمي ـ أَمدّها الرحمن بموفور الصحة ـ كانت ولا تزال نور منزلنا وساعته المنضبطة، تستيقظ باكراً، وتوقظ النائمين لأداء صلاة الفجر ثم الاستعداد للمدرسة، وبين كل لحظة وأخرى، تصل إلى مسامعنا دعواتها النديّة لنا بالحفظ والتوفيق.
نعود إلى منزلنا ظهيرة، تستقبلنا أمي بمحبة، ترسل أحدنا بطبق من الطعام إلى الجيران الطيبين، ليعود الطبق ذاته مملوءاً بطعام من عندهم.
في ليالي الشتاء نجتمع حول أمي، نتدفأ بحكاياتها التي لا تكاد تنتهي، يتلاشى الزمن، ويبقى صوت أمي الساعة التي تحدّد موعد خلودنا للنوم.
أما أيام الإجازات، فهي لي ولبقية إخوتي الأعزاء وأخواتي العزيزات منتهى السعادة والانطلاق، ومساحة حُرة للّعب وبعض العبث الطفولي.
جلستُ على عتبة الباب الداخلي وسرح عقلي بعيداً، ما أدهشني في منزلنا الصغير الجميل هو ضآلة مساحته. نعم، بعد كل هذه الأعوام، لفت نظري أن منزلنا القديم صغير مقارنة بمنازل اليوم، أقطع فيه بضع خطوات من طرفه إلى طرفه .. يا الله .. كل تلك الطفولة الصاخبة بفصولها المتعددة ومشاهدها الكثيرة كان مسرحها هذه المساحة الصغيرة!
وأنا أفكر وأتأمل غرف البيت الصغيرة، تيقنت أن أجمل اللحظات وأسعد الأوقات وأغلى الذكريات يمكن أن تضمها مساحة مكانية ضئيلة، لكن الاعتبار كل الاعتبار يبقى لمساحة العقل والقلب التي يجب أن تمتد إلى ما لا نهاية لتستوعب عمراً بأكمله من الفرح والنقاء.!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ