يوسف بخيت الزهراني
أَحِبُّوا أَنفُسَكُم *
الشائع بين الناس عن الشخصِ الأناني أنه المحب لنفسه، وهذا تضييق خاطئ لمفهوم حُب الذات، ولستُ في حاجة هنا لإيضاح معنى الأنانية، لكن هل مِن الخطأ أنْ يحب الإنسانُ ذاتَه؟! وبما أنّي أعشق الفلسفة، فسأنطلق في السطور القادمة لمحاولة الإجابة عن السؤال السابق.
حُب الذات يا أعزائي لا يعني الأنانية، أو العزلة النهائية عن الناس، بل إنّ المحبّ لنفْسه والمتسامح معها، يفيض محبةً على الآخَرين، ويسعَد بمشاركتهم لحظاتهم الحزينة والسعيدة، أما الشخص اليائس والمحبَط فإنه كاره لنفسه، لتوهمه أنه في ظلام، بينما كلّ ما حوله نور وأمل.
إذا أحبَبنا أنفسَنا أحببنا غيرَنا، فالسلام والصفاء يبدأ مِن داخلنا، ثم ينتشر ويشعّ رحمةً ونورًا وسعادةً تغمر القريبَ والبعيد، ويهطل غيثُ المشاعر على قلوب أضناها هجيرُ الفراق وآلام الحياة، فتنبت زهورُ الأمل وتورقُ رياحين التفاؤل.
عند ركوبنا الطائرة، نشاهد تعليمات السلامة في حالة الطوارئ لا قدّر الله، ونلاحظ الإشارة إلى ضرورة وضْع قناع الأوكسجين لأنفسنا أولاً، ثم وضعه لأطفالنا بجوارنا، فهل هذه أنانية؟! كلا، بل هي تأكيد على أنّ مساعدة أحدِنا لنفْسِه، تؤهله بقوة لمساعدة غيره.
في حوار لطيف ظريف خفيف مع صديق، قال لي: في كلامك تناقض واضح، فكيف تحب نفسَك، وتزعم أنك تحب أحبابَك وأصدقاءك؟ أجبتُه: يا صديقي الأثير، أنتَ تتحدث هنا عن قِصتين للحُب، بينما لا توجد إلا قصة واحدة، قاطَعَني الصديقُ متسائلاً: كيف ذلك؟! قلتُ له: يا عزيزي: أَحبّتي وأصدقائي جزء أصيل منّي، وأنا حين أحبهم فأنا في واقع الأمر أُحبُّ ذاتي.!
أعزائي، إذا رأيتم إنساناً بطبعٍ غليظٍ وأخلاقٍ سيئة، وغضَبٍ مستمرٍ بلا مبرر، فاعلموا يقيناً أنه كاره لنفسه، وفي خصومةٍ دائمةٍ معها، والأسباب يُسأل عنها الشخص دون غيره، فهو الأدرى بحاله، وإن كان يجهل الأسباب، فإن أعظم الجهل أن يجهل الإنسان كوامن نفْسه.!
ويا للعجب حين نصاحب أقواماً مُدة مِن الزمان، ولا نتذكّر أننا شاهدنا أسنانَهم في مرّة مِن المرات. وما ذاك إلا لتجاهلهم ـ وليس لجهلهم ـ أنّ الابتسامة صدقة مِن الإنسان على نفْسِه وغيرِه، كما جاءت بذلك السيرة النبوية العطِرة لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي أدبنا العربي قصيدة شامخة إبداعاً وحكمة، للشاعر إيليا أبو ماضي، اخترتُ منها هذه الأبيات خاتمةً للمقال:
قلتُ: ابتسِم، يَكفيكَ أنَّكَ لَمْ تَزَلْ
حيّاً ولستَ مِنَ الأحبّةِ مُعْدَما
قال: الليالي جَرَّعتْنِي عَلْقَما
قلتُ: ابتسِم، ولئنْ جَرَعْتَ العَلقَما
فلعلَّ غيرَكَ إنْ رآكَ مُرَنَّما
طَرَحَ الكآبةَ جانباً وتَرنَّما.!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ