يوسف بخيت الزهراني
سُمّ العادة *
لماذا يتسلّل المللُ إلى حياتنا؟ ولماذا يداهم السأمُ العلاقات بين الأزواج والأقارب والأصدقاء؟ سؤالان مهمان يتطلبان وعياً شاملاً وتأملاً عميقاً للوصول إلى إجابتهما، وأنا لا أدّعي امتلاك الوعي والتأمّل، لكن الأمر يستحق محاولة الإجابة مع حضراتكم، لعلنا نصل جميعاً إلى النتيجة المبتغاة.
هناك أسباب عديدة لما يعانيه كثير مِن الناس مِن ملل وسأم، لكن أخطر تلك الأسباب ـ برأيي المتواضع ـ هو أننا نمارس حياتنا اليومية برتابة قاتلة، وكأمور اعتيادية نفعلها بشكل آلي، بلا رغبة فعلية ومحبة حقيقية.
قرأتُ في زمن قديم هذه العبارة الآسرة بمعناها: منتهى السعادة أن تصبح موهبتك هي وظيفتك، وحبيبتك هي زوجتك، وأمَلك هو إيمانك، وحلمك هو شغفك.
في بداية تعلّم الإنسان أيّ أمر، مثل قيادة السيارة أو الكتابة على جهاز الكومبيوتر الشخصي ـ كهذا الذي أكتب لكُم عليه ـ أقول: في بداية تعلّم الإنسان هذين الأمرين أو غيرهما، فإنه يركّز جُلّ اهتمامه على الخطوات الأساسية، ولعله يجد نشوة في بداية الممارسة، ولكن مع الوقت تصبح هذه الأفعال (روتيناً) اعتيادياً، يؤديه الشخصُ حتى أثناء تناوله الطعام أو الحديث مع مَن بجانبه.
وهذا المثال يحاكي ـ كثيراً ـ حياة الإنسان، حيث يجد سعادة في بداية العلاقة الإنسانية، سواء كانت زواجاً أو صداقةً أو في وظيفته ومع زملائه، ثم يلعب الزمن لعبته بغير إدراك مِن صاحبنا الإنسان، فتتحول العلاقات بفعل العادة إلى سُمّ قاتل، يجلب له كآبة لا يَعرف لها سبباً.
ولا يقِل سُمّ العادة خطراً، إذا وصل للعبادة وأفسد روحَها وقضى على الهدف الحقيقي منها، وهو إصلاح الأخلاق وتهذيبها، وحُسن المعاملة مع جميع الكائنات والإحسان إليها، وفي آيات القرآن الكريم الكثير مِن الشواهد على ذلك، يقول الله عز وجل «إنّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر»، ويقول سبحانه «يا أيها الذين ءامَنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين مِن قبلكم لعلكم تتقون».
إنّ التقوى والإنسانية هُما هدفا العبادة في أسمى وأنقى معانيها، وحين تتحول عباداتنا لمجرد أفعال وأقوال معتادة؛ فإن أخلاقنا وأحوالنا لن تنصلح ولو قضى أحدُنا حياتَه مصلياً صائماً، إلا إذا تداركنا أنفسنا، وكان لعبادتنا أثر إيجابي، ينعكس على أقوالنا وأفعالنا وردّات أفعالنا.
قد يقول لي قارئ كريم: تأخرتَ كثيراً يا يوسف، فسُمّ العادة قد خالَط علاقاتي، وأَفسَد طَعم حياتي، وذهب بروح عبادتي، ولن أَكذب عليه حين أجيبه: يا عزيزي، ما دام أنّ أنفاسك تتردّد بصدرك فالحياة أمامك، ونوافذ الأمل مشرعة بوجهك، وخطوط العودة مفتوحة دائماً كما يقال، فتوكّل على خالقك العظيم الرحيم، وانشغِل بإصلاح أمورك، وتدارك ما فاتك، وعِش حياتك بالرضى والطمأنينة، وتأكّد أنك مهما بالغتَ في أمنياتك، فهناك مَن يعلَم السر وأخفَى، وأمْر الكون لديه جلّ شأنه في حرفين: «كُن فيكون».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ