يوسف بخيت الزهراني
للصَّبر حُدود.! *
مَن صَبر ظَفر، ومَن تأنّى نال ما تَمنَّى، هذا ما علّمتنا إيّاهُ الأمثال، فبالعملِ والاجتهاد والصبر يَنالُ الإنسانُ مرادَه، أمّا إنْ أسعفَه الحظ، وكانت لديه واسطة قويّة، فإنه لا يَحتاجُ لشيءٍ مما سَبَق.
وبالحديثِ عن الصبرِ تحديداً، نلحظُ ما وردَ فيه مِن عظيمِ الأجر وجزيل الثواب، ويكفينا قولُ الله عزّ وجلّ: «وبَشِّر الصابرِين». والسؤالان المهمّان: ما حالات الصبر؟ وما حدّه؟ وللأمانة، فأنا لا أَفرِضُ هُنا رأياً، ولا أسنّ قانونَ حياة، فالتجارب الإنسانية تشتركُ في العناوين، وتختلفُ كثيراً في التفاصيل، فليأخذ القارئُ العزيز ما يَراه صواباً، وليَطرح أي وجهة نظر لا تتفق مع قناعاته.
في بَعضِ الأحيان يَظنُّ الإنسانُ أنه عاجزُ الحيلة، قد استنفدَ احتمالاتِ الحل، وبقي الصبرُ ملاذه الأخير، ولكن هل هذه حقيقة ثابتة في جميع الأحوال؟ كلا، فكثير مِن الحقائق التي نتصوّر صوابَها هي ـ في واقع الأمر ـ صائبة نسبياً.
أعود للإجابة عن تساؤلي السابق، وأقول: الصبرُ ليسَ الحلَّ الأخيرَ لكثير مِن الكُربات والمشاكل، فهناك البحث الدائب عن الحلول، مَهما كنا لا نستسيغُ بعضَها، فالدواء الشديد المرارة تعقُبه الصحةُ بمشيئة الله، بل إن المِبْضَعَ الباردَ والمؤلمَ للجرّاح قد يكونُ سبيلَ النجاة!
إنّ الركونَ للصبرِ وحده عَجْز واستكانة وتخاذل، وتعطيل لدور جوهرة الإنسان الأغلى، العقل!
وربما كان الصبرُ في بَعضِ المواقف وَهْماً كبيراً، يَصنعه الإنسانُ لِذاتِه ويَبقَى يُردِّد: وماذا أَملكُ غيرَ الصبر؟! والإجابة عن هذا السؤال بسؤالٍ مهم: وماذا فعلتَ غيرَ الصبر؟! هذا إذا اعتبَرنا الصبرَ فِعلاً حقيقياً.
الصبرُ ليسَ أرضاً نقفُ عليها دائماً، بل هو قنطرةٌ نعبُرها مِن ضفة البؤس إلى ضفة السعادة، بالسعي الجادّ نحو نوافذ الضوء وشلالات البهجة، وقبْلَ ذلكَ وبَعْدَه بالتوكُّل على الرحمن، والاستعانة به تعالى في كلِّ الأحوال.
وحتى لا أقسو في كلامي على بَعضِ الأشخاصِ والحالات، سأستثني مَن «ضاقت عليهِم الأرضُ بما رَحُبتْ وضاقت عليهِم أَنفسُهم»، فهناك الذين حاوَلوا ثُم حاوَلوا، ومَنحوا لأنفُسِهم ولغيرِهم الفُرصَ تِلو الفُرص، لكن لا مَخرَج ولا تغييرَ يُذكَر، بل دورانٌ في حلقةٍ مُفْرَغةٍ بلا جَدوى، وعودةٌ لنقطةِ البداية في كُلّ مَرّة، هنا فقط، يبقَى الصبرُ المقرونُ بالأمل هو الاختيارُ الوحيد، وحذارِ مِن التضحيةِ لمَن لا يَستحقّ، والركض وراءَ السراب في صحارى الأوهام.
دعوهم يرحلوا لو اختاروا الرحيل، لا تركضوا خَلْفَ الراحلين، ولا تنادُوا لِمَن صَمُّوا آذانَهم، وتَركُوا أصواتَكم تتردّدُ في أوديةِ النسيان.
أنتُم الأهم، صدِّقوني أنتم الأهم، أنتم الأجمَل، أنتُم الأنقَى، فلماذا نَشقَى لأجْل مَن لا يُريدُ أنْ يَبقَى؟
لا تلتفِتوا خَلْفَ ظُهوركم، لا تَتحسَّروا على عُمْرٍ ضاع، وحُبٍ تبدَّد، لا تَلومُوا أنفسَكم، ولا تُقرِّعوها على جَهلِها أو طِيبتِها، اصنعُوا لِذواتِكُم حاضِراً بَهيجاً، استَمتِعوا بِلحظتِكُم الراهنة والقادِمة، وقُولوا بقناعة تامّة: الحَمدُ لله، نَحنُ بخير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ