اِسأل رُوحَك.!
يوسف بخيت الزهراني*
تأخذُنا دروبُ الحياة صُعوداً وهبوطا، ونمضي في طُرقاتها، معتدلين تارةً ومتعثّرين أحيانا، وكم اختزنت الذاكرةُ من مواقفَ وذكريات، وكم حفظَتْ من أسماء وعرفتْ من وجوه، منهم من رحل عن دُنيانا، ومنهم من أشغلتْهم عنّا وأشغلتْنا عنهم، همومُ الحياةِ وتفاصيلُ العيش.
وفي زحمة تلك العلاقات والصداقات، تقعُ الأخطاءُ وتَحدُث الهفوات، ربما جهلاً وسهوا، وربما حماقةً وعمدا.!
ومع مُنعطَفات السِّنين والشهور، نتفاجأ - أو هكذا نشعُر - بفقدان أحد الأصدقاء، ثم نهرع للبحث عن رقم هاتفه والاتصَال به، ويدورُ حوارٌ قصير، هو في الغالب من هذا النوع:
المتصِل: كيف حالُك يا صاحبي؟ ما هذا الجَفاء؟
الصاحب (يردّ ببرود): أهلاً بك، دُنيا وظروف.
لكن بصراحة، الجفاءُ منك، لأنّك لا تتصل ولا تَسأل.!
ثم يَردُّ الأولُ على الثاني بذات التهمة، وربما يتحدّثان لدقيقتين أو ثلاث، ثم تنتهي المكالَمة، وتعودُ دورةُ الجفاءِ للتكرار.
كلُّنا مَررنا بتلك المُكالمة الروتينية، فمن يا ترى هو على حق من الصّديقَين؟!
برأيي، إن الظروف التي يتحجّجُ بها الكثيرون، لها حقيقةٌ نعيشُها جميعا، فكلٌ منا بهمومه ومشاغله، التي لا تنتهي ولن تنتهي، ودليلي قول الشاعر:
تموتُ مع المرءِ حاجاتُهُ
وتبقَى لهُ حاجةٌ ما بَقي
وبناءً عليه، لا بد أن يَعذُر أحدُنا أخاه وصاحبَه، ويلتمسَ له بدل العُذر سبعين عذرا، كما جاء في الأثر.
وقناعتي أن الصديقَ الذي يبادرُ بالاتصال والسؤال، له الفضلُ والتقدير، وعندما نردُّ على اتصاله، فواجب الصداقة يُلزمنا أن نُسمِعه عباراتِ الشكر ومعاني الامتنان، وليُحاسبْ أحدُنا نفسَه قائلا: لماذا لستُ أنا الذي تقدّم واتصل؟! فأكونُ بذلك نلتُ الفضل، والمقام الرفيع عند الله تعالى ثم عند خَلقه.
يقولُ الشاعر:
ولو قَبْلَ مَبكاها بَكيتُ صَبابةً
لكُنتُ شَفَيتُ النفسَ قبلَ التندُّمِ
ولكن بكتْ قبلي فهيّجَ لي البُكا
بُكاها، فكان الفضلُ للمتقدِّمِ.!
ومن هذا الموقف، يمكننا الانطلاق لمواقف مشابهة لا حصر لها، تحدُث بين الأشخاص والعائلات، فهذا يقول: لا أُصالحه وأتنازلُ عن كرامتي، ونسي أو تناسى: "فمن عفا وأصلحَ فأجرُه على الله".
وتلك تقول: لا نزورهم حتى يزورونا، وجهِلتْ أو تجاهلَت: "فهل عَسيتُم إن تولّيتم أن تُفسِدوا في الأرضِ وتُقطِّعوا أرحامَكم".
ويا للعَجب، حين ينطلقُ أحدُنا واعظاً لوّاما، وليتَه بدأ بنفسِه فنهاها عن غيّها، عندها يُصبح قدوةً لغيره، بسُلوكه القَويم.
يا أيُّها الرجلُ المُعلِّمُ غيرَهُ
هلّا لنفسِكَ كان ذا التعليمُ؟!
تصِفُ الدواءَ لذي السِّقامِ وذي الضَّنى
كيما يَصِحُّ بهِ وأنتَ سَقيمُ
ابدأ بنفسِكَ فانهَها عن غيِّها
فإذا انتهتْ عنهُ فأنتَ حكيمُ
فهناك يُقبَلُ ما وعَظْتَ ويُقتَدى
بالقولِ منكَ ويَنفعُ التعليمُ
لا تنهَ عن خُلقٍ وتأتي مثلَهُ
عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ.!
أيها الكرام والكريمات، اسألوا أنفسَكم وحاسِبوها،وإنّي معكم لِنفسي من المُحاسِبين.
ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)
للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صُورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
(يوجد سهم أسفل الصفحة، بجوار عبارة:
الصفحة الرئيسية، هذا شكله > ، باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم).
للتواصُل مع الكاتب:
تويتر yba13@
بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.