الأربعاء، 25 فبراير 2015

دَع عنكَ لَومي.!

دَع عنكَ لَومي.!

يوسف بخيت الزهراني*

لا أسهل من الكلام حين ينطقُ به المرء، ولا أصعب من مداواة أثره القاسي، حين يعود الوعي لقائله.!
عندما قال الشاعر: ما أصعبَ الكلام، فله عذره في ذلك، وهو في موقف صادم ساد فيه الصمت، وتعطّلت لغةُ الكلام كما قال شاعرٌ آخر.
لكن الأمر هنا مختلف، لأن حديث اللوم سهلٌ في نطقه، ويجلب لصاحبه لذةَ الهيمنة على من أمامه، ويحقق له مثاليةً متوهمة، تجعل منه الحكيم الذي لا يخطئ، والنموذج الذي لا يتهور.!
وما أكثر اللائمين في البيت والشارع والعمل، بل ربما ظهرت لك بعضُ الوجوه الكالحة، تلومك في أحلام نومك ويقظتك.!
وهكذا يضرب اللائمون أطنابَ خيامهم، في صحرائك الشاسعة، ويحاصرونك بقطعان مفرداتهم الشاردة، وعباراتهم المتخشّبة، والاحتمال الأكبر أنكَ سددتَ أذنيكَ اختيارياً منذ زمن، عن سماع تُرّهاتهم وفارغ لومهم.
في الحقيقة، هذا هو الحل الأوحد؛ فأنتَ لا تستطيع إسكاتهم، وليس أمامك سوى صمّ أذنيك عن سياط عباراتهم.
تعالوا بنا نبدّل المواقع، ونجعل اللائم ملوما، هنا يهطل مطرُ الأعذار، وتهبُّ رياحُ التبريرات، وتسيل حُججُ النوايا الصادقة، فهل من الإنصاف أن نكون لائمين، ولا نرضى أن نتحول لملومين؟!
كم تأسرني سورة يوسف بكل تفاصيلها، وما يعنينا هنا هو موقف يوسف عليه السلام مع إخوانه الذين أخطؤوا بحقه، فإذا به يقولُ لهم بصفاء قلبه:»لا تثريبَ عليكم اليومَ يغفرُ الله لكم وهو أرحمُ الراحمين».
وكذلك الموقف الخالد لنبينا الكريم، محمد بن عبدالله صلواتُ الله تعالى وسلامه عليه، لما قال يوم فتح مكة، لكفار قريش الذين ناصبوه العداء أكثر من عشرين سنة:
اذهبوا فأنتم الطلقاء.!
بينما نبقى نحن، ندور في حلقات اللوم المُفرَغة زمناً طويلا، فلا استجاب المستمع ولا صمَت المتكلّم.!
يا إلهي، يبدو أنني وقعتُ فيما نهيتكم عنه، وتحولتُ هنا لكائن لوام للأقوام اللائمين.!
وخروجاً من هذه الورطة، تفضلوا منّي البديل لكثرة اللوم: إنه جميل العتاب، الذي يُشعر المخطئ بخطئه، ويدفعه بالحُسنى لتصويبه، ويُبقي حبالَ المودة ممدودةً متصلة مع أحبابنا.
ولنحرص على اختيار الوقت والظرف المناسبَين، ونتجنب كثرة العتاب، التي تجعل المستمع لا يبالي بما يُقال له من نصائح ليل نهار.!
ونستحضر في كل أحوال العتاب، بيت الشاعر دعبل الخزاعي:
تأنَّ ولا تعجل بلومٍ لصاحبٍ
لعلَّ له عذراً وأنتَ تلومُ.!
أما الأبيات المشهورة للشاعر بشار بن بُرد، فقد لخّصت محاذيرَ العتاب، وفيها يقولُ بشار:
إذا كنتَ في كل الأمور معاتبا
صديقكَ، لم تَلق الذي لا تُعاتبه
فعِش واحداً أو صِل أخاكَ فإنهُ
مُقارِفُ ذنبٍ مرةً ومُجانبُه
إذا أنتَ لم تشرب مِراراً على القَذى
ظَمئتَ، وأيُّ الناسِ تصفو مشاربُه؟!
ومن ذا الذي تُرضى سجاياهُ كلُّها؟!
كفى المرءَ نُبلاً أن تُعدَّ مَعايبُه.!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصية أعلى هذه الصفحة.

للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.

الأربعاء، 18 فبراير 2015

مُكوِّنات السَّعادة.!

مُكوِّنات السَّعادة.!

يوسف بخيت الزهراني*

السّعادةُ مطلبُ الصغير والكبير، وأُمنية الصعلوك والأمير، وهدفُ كل إنسان على هذه الأرض يسير.!
ولكل منهم طريقه الذي اختاره للوصول إليها، وهو من يقرّر لاحقا، صوابَ اختياره لذلك الطريق أو خطأَه.
وبرأيي فإن مكونات السعادة لا تخرُج عن أربعة أمور:
أولها:الأشخاص، فكم حولنا من أشخاص يُسهمون حقيقةً في تكوين سعادتنا، والمقصود هنا هم الأشخاص الذين لنا معهم تعامل مكاني، أو أولئك الذين جعلنا منهم قُدوات فكرية وحياتية، واندفعنا نحوهم، محبّين لهم، مقلّدين لخطواتهم، معتنقين لأفكارهم.
وأقولُ سريعا:الواجب أن يراجعَ الإنسانُ نفسَه من حينٍ لآخر، ليتأكّد هل أصاب بمنحه أولئك الأشخاص حيزاً في عقله وزوايا قلبه.!
أم أن حاله معهم كحال ذلك الشاعر الذليل، الذي أعزّ محبوبَه الحُب، بينما بقي هو يتوسّلُ إلى المحبوب أن يُحبه حين قال:
يا مَن هواهُ أعزهُ وأذلّني
كيف السبيلُ إلى وصالكَ دُلّني؟!
ثاني مكونات السعادة، هي الأفكارُ التي يعيشُ بها ومن أجلها الإنسان، فإذا اعتمدنا على مقولة ديكارت: أنا أفكّر إذن أنا موجود، وأسقطناها على الواقع الحياتي، فسنجد العديد من البشر لا وجودَ لهم، لأنهم بلا تفكير ولا أفكار.!
بل إن كثيرين قد استسلموا، وتوهّموا السعادةَ في أفكارٍ ربما كانت صواباً في زمن ما، أو لعلّها مجرد أوهام عاشوا عليها زمناً طويلا، والأشدُّ ألماً من ذلك، مَن سلّم عقلَه لغيره طوعا، ليفكّر ويختار نيابةً عنه.!
وليعيش النعيم الزائف، الذي وصفه المتنبّي بقوله:
ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلهِ
وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ يَنعمُ.!
وصلنا الآن إلى المكوّن الثالث للسعادة، إنها المواقف، فكم من مواقف عشناها، وتركتْ بنا سعادةً دائمة.!
خاصة تلك التي تعود لسنين الوعي المبكّر وبداية الإدراك، والتي تبدأ عادة مع سنين الطفولة والالتحاق بالمدرسة، فهل ننسى مواقف والدينا ومعلّمينا الإيجابية، التي صَبّت في عقولنا وأرواحنا كميةً هائلةً من السعادة والنشوة؟!
أما ما عايشناه تالياً من مواقف سلبية، في الطفولة أو في سنين العُمر اللاحقة، فمن الضروري التخلص من تأثيرها على سعادتنا، وتركها بعيداً في الزمن الذي حدثت به.
آخر مكونات السعادة هي الأشياء التي نملكها، ولعل أكثر الأمثلة وضوحاً عليها هي هواتفنا الذكيّة التي لا تفارقنا، فتعاملنا الإيجابي معها يجعل منها مكوناً حقيقياً للسعادة، وذلك متى ما جعلناها مصدراً لإشاعة السعادة في وجدان من نحبهم، بتبادل عذب الكلام معهم، ومشاركتهم صادق المشاعر.
ومن تلك الأشياء أيضا:الأموال، بصحّة اكتسابها وحُسن إنفاقها، يقولُ الشاعر:
ولستُ أرى السعادةَ جمعَ مالٍ
ولكنَّ التقيَّ هو السعيدُ.!
وهكذا تهرُب مني المساحة، وينقضي معكم الزمنُ السعيد سريعا، لكن تذكّروا أن بعضَ الناس من مكوّنات السعادة، وعندما تفتحون عبوةً للسعادة، شاهدوا المكوّنات، ستجدون أسماءَهم ضمنها.!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصية أعلى هذه الصفحة.

للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.

الأربعاء، 11 فبراير 2015

أوصيكُم بالدَّهشَة.!

أوصيكُم بالدَّهشَة.!

يوسف بخيت الزهراني*

في البداية لابد من التفريق بين الاستغراب والدهشة،
فالاستغراب ردّة فعل، ناتجة عن تلقّي حواس الإنسان مؤثرات خارجية قد تكون غير مألوفة، وهو مسألةٌ نسبية، تختلف بين الشعوب، ومن فرد لآخر، وحتى بين الأشقاء بل التوائم.!
أما الدهشة أو الاندهاش، فهي شعورٌ لا يخلو من جرعة تزيد أو تنقص من الاستغراب، وهي في معناها الأهمّ والأعم، حالةٌ وجدانية تغمُر صاحبها بمشاعر لا متناهية، من السّعادة الممزوجة بالاستحسان وحتى الذهول أحيانا، لما تتلقّاه الحواس الخارجية والداخلية.!
وهنا يتبادر للذهن أسئلة من قبيل: ما مدى الاستعداد ليكون الإنسان مُدهشا؟!
وما مدى قابليته ليكون مُندهِشا؟!
والسؤال الأصعب: هل يمكن أن يكون الإنسان مُدهشاً ومندهِشاً معا؟!
يبدو أنني قد ورطتُ نفسي، في الإجابات عن الأسئلة الشائكة أعلاه، وأخشى ما أخشاه أن أُفتي وأنا بلا دهشة ولا اندهاش.!
ومع ذلك سأحاولُ الإجابة مجتهدا، من خلال رصيد تجربتي مع الدهشة والمدهشين وما أكثرهم.!
لنكون مدهشين أيها الأعزاء، على أحدنا أن يجلسَ مع نفسه (مع نفسه بالمعنى الفلسفي، وليس بالمعنى الشبابي المتداول.!) ويجيب عن هذه الأسئلة المهمة:
ماذا تعني لي هذه الحياة؟! وهل أنا أعيشها بالرضى والمحبة والعطاء؟! أم أنا دائم التذمّر كثير الجحود؟!
هل يلفتُ نظري شروق الشمس وغروبها كل يوم؟!
أم أنني أنشغلُ فقط بحرارتها وقت الظهيرة؟!
لا شك أن الانهماك في النظر إلى الجانب المُظلم من القمر، وعدم الالتفات - ولو قليلاً - لجانبه المضيء، هو أول موانع الدهشة والاندهاش، وهذا كله عكس التفاؤل، الذي يمنح صاحبه إشراقةَ الروح واتقاد الذهن وصفاء القلب.!
ومتى ما ظلّلت أشجارُ الإيمان والطمأنينة حياتَنا، زادتْ دهشتُنا وتزايد إدهاشنا، ومضينا في درب العمر نُدهش ونندهِش بلا توقف.!
تخيّلوا شكل الحياة بلا دهشة؟!
إنها ستبقى مجرد أفعال وأقوال مكررة، نمارسها برتابةٍ وملل.!
وللخروج من ذلك، لابد أن نغير زوايا النظر إلى الأشخاص والمواقف والأشياء، حتى تتبدّى لنا الجوانب الجميلة والمدهشة، انظروا لبيوتكم وعائلاتكم نظراتٍ مختلفة وإيجابية، فتّشوا عما يدهشكم فيهم، واصنعوا ذلك مع أقاربكم وأصدقائكم وبقيّة الناس، غلّبوا حُسن الظن في كل الأشخاص والمواقف حتى يثبت العكس.!
لا تصدّقوا أن افتراض سوء الظن هو المقدَّم دائما.
يقولُ لي أحدُ الأصدقاء المدهشين:
الاندهاش بداية التفكير الفلسفي، ويضيفُ ناصحاً:اندهِش أكثر لتَفهم أعمق.!
وأنا بدوري أقولُ له ولكم:تعجبني الدهشة، ويُذهلني المدهشون، فعيشوا للدهشة وبالدهشة، وكونوا مُدهِشين مندهشين.!

ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصية أعلى هذه الصفحة.

للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء.

الأربعاء، 4 فبراير 2015

أفراحُنا المُؤجَّلة.!

أفراحُنا المُؤجَّلة.!

يوسف بخيت الزهراني*

أن نؤجّل شراءَ ثوب/فستان جديد،فذلك أمر هيّن، أن نؤخّر وقت إحدى الوجبات فلا بأس، أن نترك إجراء مكالمة هاتفية لوقتٍ لاحق، فلا حرج.!
أما أن نؤجّل أفراحَنا لزمنٍ قد لا ندركه، فتلك كارثةٌ كبرى وجناية عظمى.!
وهو مع - شديد الأسف – ما يفعله كثيرٌ من الناس اليوم بأنفسهم، وذلك حين ينشغلون بالركض المتواصل واللاهث، في طرقات الحياة المعبَّدة منها والوعرة، ناسين أو متناسين أن يَفرحوا، ويُفرحوا معهم من يهمّهم أمرهم.!
يقول الابن: إذا تخرجتُ من الجامعة؛ سأدخل إلى عالم السّعادة.!
وتقول البنت: إذا تزوجتُ؛ ستزورني وفودُ البهجة.!
أما الأم فتقول: لن أبتسم، حتى أرى أبنائي وقد نالوا أفضل المناصب.
وأبوهم يقول: سعادتي لن تتحقّق، حتى أرى ذُرية أبنائي وبناتي.!
ويا لهُ من زمنٍ طويل، ذلك الذي نؤجّل فيه أفراحَنا، ونقضيه في انتظار قادم قد يأتي، وقد يتأخّر وصوله، وربما لا يأتي أبدا، لأي سببٍ من الأسباب.!
نعم، أسمعُ تساؤلكم، وألاحظُ اندهاشَكم أيها القُراء الكرام.
فسائلٌ يسأل: هل هذه حروف صاحبنا سفير الأمل؟!
ومندهشٌ يقول: ما بالك يا يوسف، قد غلب التشاؤمُ على كلماتك في هذا المقال؟!
ولهذا وذاك، ولكم جميعا أقول:سأبقى سفيراً للأمل بإذن الله تعالى، والتفاؤل أسلوبُ حياتي، الذي لن أحيدَ عنه
ما بقيتُ بمشيئة الرحمن.
ولستُ هنا أدعو للكفّ عن الأحلام، ولو فعلتُ فمن ذا سيُنصتُ لي؟!
التوقفُ عن الأحلام توقفٌ للحياة.!
والعيش من أجل أهدافٍ وغاياتٍ سامية نسعى لتحقيقها، هو الحياةُ الحقيقية بعينها، فمن نحنُ بلا تلك الأهداف والغايات؟!
لكن يا أعزائي، مع الجِدّ والعمل لابد أن نعيش بالفرح والأمل.!
فما الذي يَحُول بيننا وبين أن نسعى لتحقيق طموحاتنا وأمنياتنا، وفي ذات الوقت نعيش مستمتعين بلحظتنا الراهنة؟!
ثم إننا نَمضي في دروب الأحلام، لتحقيق أمور تجلبُ لنا السعادة، فكيف نسير إلى السّعادة بثياب التشاؤم السوداء، وأردية الخوف الدّاكنة؟!
يمكن تفهُّم المخاوف والهواجس التي تبقى في مستوياتها الطبيعية، وهي من الغرائز البشريّة المقبولة، لكن لا بد أن نبقى متيقّظين، حتى لا تزحفَ مساحةُ السواد وتغطّي لوحةَ حياتِنا.!
من قراءاتي القديمة، هذه الحكمة العميقة في معناها والمهمّة في مدلولها:
وأنتَ في طريقك للبحثِ عن حياة، لا تنسَ أن تعيش.!
فهيا بنا نطيرُ على غيمات الأمل، ونرسمُ أمانينا بلونٍ أخضر بهيج، ونفتحُ صُدورَنا لأوكسجين الحياة المُنعِش، ولا نبقى قابعين في محطّات الانتظار الباردة الكئيبة، أَطلِقوا لخيالاتكم العنان، وتأمّلوا الخيرَ من ربٍ كريم، وسعَتْ رحمتُه تعالى كلَّ شيء، وامتلأتْ خزائنُه بوافرِ العطاء.!
ـــــــ
نقلاً عن صحيفة مكَّة (الورقيّة)

للمزيد من المقالات يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصية أعلى الصفحة.

للتواصُل مع الكاتب:

تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــ
*كاتب بصحيفة مكَّة (الورقيّة)
في صفحة الرأي
كل أربعاء