السبت، 6 أكتوبر 2018

نسيان

صحيفة الرؤية الإماراتية

يوسف بخيت الزهراني

نسيان

النسيان طبيعة ملازِمة للإنسان، وهناك رأي يميل إلى أن مسمى إنسان مشتق من النسيان، قال الشاعر:
وما سُمّي الإنسانُ إلا لنَسْيِهِ
ولا القلبُ إلا أنهُ يتقلّبُ
وتعُودُ طبيعة النسيان إلى أبينا آدم عليه السلام، حيث قال الله تعالى عنه: ﴿ولقد عَهِدْنا إلى آدمَ مِنْ قَبْلُ فنَسِيَ ولَم نَجِدْ لهُ عَزْما﴾.
ليس النسيان ضاراً في جميع الأحوال؛ بل إن نعمة النسيان تُداوي عِللنا مِن أذى الناس ومرارات المواقف والأيام، وتمنح قلوبَنا وعقولَنا مساحةً كبيرة من الطمأنينة وهدوء البال، وتُهدينا تذكرة إياب إلى الحياة بنشاط متجدد وروح وثّابة، ولكم أن تتخيّلوا الحال لو بقينا أَسرى الذكريات السيئة أو الحزينة.
وماذا أفعل إذا كنتُ لا أستطيع النسيان؟، يتبادر هذا السؤال إلى أذهان الذين يسمعون عن النسيان، لكنهم لا يعثرون عليه، في حقيقة الأمر أنه لا يمكننا إنكار صعوبة الحل، بَيد أنه ليس مستحيلاً، وأهم خطوة لننسى ونتجاوز ما يؤلمنا أن نصرف التفكير عنه، وننهمك في أمور تصنع لنا ذكرياتٍ سعيدة.
يا رفيق الحرف، تتسرب بعضُ الوجوه والقصص سريعاً إلى ثقوب النسيان المظلمة، بينما تستمر وجوه وقصص أخرى حاضرةً حيةً في الوجدان، تأبى أن تغادر الحاضر، مستعصيةً بتفاصيلها على النسيان، استمرار الذكريات أو رحيلها يتوقف على ما تتركه من أثر فينا، ولا اعتبار لعُمر المعرفة بينك وبين أحدهم، بل الاعتبار لكونه شخصاً يَصعب نسيانُه.

تويتر yba13@

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حساب الكاتب في تويتر

https://twitter.com/yba13?s=03

حساب الكاتب في فيسبوك

https://m.facebook.com/ana.yba.5

بريد إلكتروني

anayba2013@gmail.com

السبت، 29 سبتمبر 2018

سؤال

صحيفة الرؤية الإماراتية

سؤال

يوسف بخيت

     الحيَاة سؤال كبير، يصلُ إلى السعادةِ والنجاح مَن استطاعَ الوصولَ إلى إجابة هذا السؤال جُملةً وتفصيلا، وباعتقادي أنه ليسَ بذاك المستوى العالي مِن الصعوبة، كلّ ما في الأمر أننا بحاجة إلى الحكمة والمعرفة للإجابة الصحيحة عن السؤال، تماماً كما تغدو الأسئلةُ يسيرةً بين يدَي الطالب النبيه، الذي أحسَن الاستعدادَ لها.
صياغة السؤال فن أدبي رفيع، يستلزمُ فطنةً حاضرة وذوقاً رفيعاً وذكاءً اجتماعيا، وربما رفَضَ فلان أن يجيبَ عن سؤال ما، بينما سيجيبُ عن ذات السؤال لو تمّت صياغتُه بكلماتٍ أكثر تهذيباً وذكاءً، ولطالما استهلَك السائلون أدواتِ الاستفهام جميعاً، وأعرَضوا عن استخدام أهمّ أداتين مِن أدوات الاستفهام وهُما: كيف ولماذا.
ثَمّة أسئلة جيّدة، تَصنعُ آفاقاً للعقل، وتَدخلُ في باب الفضول المعرفي والبحث عن الحقيقة، وهناك نوع ضار مِن الأسئلة، يُفْضي إلى عواقبَ غير محمودة، ويفتحُ أبواباً للشرّ، ولولا هذه الأسئلة لبقيتْ تلك الأبوابُ موصَدةً باستمرار، يقول الله تعالى: ﴿يا أيّها الذين آمَنوا لا تَسألُوا عن أشياءَ إنْ تُبْدَ لكُم تَسُؤْكُم﴾.
يا رفيق الحرف، ليس بالضرورة أن نجِدَ إجابةً حاضرة لكل سؤال؛ قد تتأجلُ الإجابةُ لفترة مِن الزمان، أو لظرف مِن الظروف، وهذا ليسَ مبرراً مقبولاً للكفّ عن طرح الأسئلة، متى توقفْنا عن السؤال؛ فقد ركَنّا إلى ما لدينا مِن قناعات، واكتفينا بما نملكُ مِن معلومات، وربما كانت قناعات خاطئة ومعلوماتٍ قديمة.

تويتر yba13@
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حساب الكاتب في تويتر yba13@

حساب الكاتب في فيسبوك

https://m.facebook.com/ana.yba.5

بريد إلكتروني

anayba2013@gmail.com

السبت، 22 سبتمبر 2018

اليوم الوطني السعودي

صحيفة الرؤية الإماراتية

يوسف بخيت الزهراني

اليوم الوطني السعودي

السبت 22 ـ 9 ـ 2018 م

     لم يكن يوم 23 سبتمبر مِن عام 1932 م يوماً عادياً في حياة السعوديين؛ فهو اليوم الذي أُعلن فيه عن تسمية المملكة العربية السعودية بهذا الاسم، وفي هذا اليوم مِن كلّ عام يستذكر أبناءُ المملكة ما تحقق مِن وحدة عظيمة لبلادهم على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل رحمه الله رحمةً واسعة.
تأتي أهميةُ الدول مِن أهمية أدوارها، والمملكة العربية السعودية دولة رائدة وقائدة في محيطها الخليجي والعربي، ولا يمكن إغفال أهميتها على المستوى القارّي والدولي، ترعى المملكةُ شؤونَ المسلمين في مكة والمدينة، ويمتد عطاؤها إلى المسلمين والعرب وغيرهم في جميع أنحاء الدنيا، وتُسهم بفعالية في عجلة الاقتصاد والسلام ودعم المبادرات الإنسانية.
تخطو المملكة العربية السعودية اليوم خطواتٍ واثقة نحو المستقبَل بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رعاه الله، وسموّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز سدّده الله، ولسمو ولي العهد عِبارة توضّح مدى رغبته في التغيير الحقيقي والإيجابي، حيث قال: في حال كان الشعب السعودي مقتنعاً بالتغيير فعنان السماء هو الحدّ الأقصى للطموحات.
إنما تنهضُ الأوطانُ بأبنائها وبَناتها مِن جيل الشباب، وهذا لا يتحقق إلا باكتساب أسباب القوة، بأن يتسلحوا جميعاً بالعِلم والمعرفة، ويكتسُوا بحُلل الأخلاق الفاضلة، ويتمكنوا مِن لغة العصر على مستوى التقنية، ويصلوا إلى مصادر المعلومات المتجددة باستمرار، حفِظ الله المملكة العربية السعودية قيادةً وشَعباً وضيوفاً، وأدام عليها الخير، وجعلها منارةً للحُب والعدل والجَمال.

تويتر yba13@

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حساب الكاتب في تويتر yba13@

حساب الكاتب في فيسبوك

https://m.facebook.com/ana.yba.

بريد إلكتروني

anayba2013@gmail.com

السبت، 5 مارس 2016

الكَنز المُتناقِص

يوسف بخيت الزهراني

الكَنز المُتناقِص *

النقص طبيعة كلّ الأشياء في الدنيا، هذه حقيقة لا جدال فيها، فالشروق يليه الغروب، والشباب ينتهي بالهرم، والحياة آخرها الموت. ربما كانت هذه المقدمة مزعجة، وغير معتادة لما افتتح به مقالاتي، وما أدعو إليه باستمرار من التعلق بحبال الأمل، والتحليق مع غيمات التفاؤل.
ومع اعتذاري للقارئ الكريم، أقول له: عندما نمشي في طريق الأمل الأخضر، يجب ألا نجهل أو نتجاهل بعض الحقائق مهما كانت مؤلمة، لأن معرفتها ستجنبنا بإذن الله تعالى الوقوع في حُفر الأوهام، والتسبب بضياع الكثير من السنوات.
ومن أهم تلك الحقائق: أن ما مضى من العمر ـ بخيره وشرّه ـ لن يعود، وبالتالي فلا فائدة من التحسّر عليه، أو كما يُقال: البكاء على اللبن المسكوب لا يعيده، والحكمة تقتضي أن يستلهم الإنسان من الماضي العِبرة، ولا تشغله عن ذلك العَبرة.
يقول الشاعر طَرَفة بن العبد في معلقته:
أرى العيشَ كنزاً ناقصاً كلّ ليلة
وما تَنقُصُ الأيامُ والدهرُ يَنفدِ
لعمرُكَ إنّ الموتَ ما أخطأَ الفتى
لكالطِّولِ المرخَى وثِنياهُ باليدِ.
هنا يشبّه الشاعر عُمرَ الإنسان بالكنز الذي ينقص كلّ يوم، ويشبّه أجله بالحبل المرخَى الذي يمكن شَدّه في أيّ لحظة، ثم يمضي طَرَفة معاتباً ابن عمّه في هجره له، قائلاً:
فما لي أراني وابنّ عمي مالكا
متى أَدنُ منهُ ينأَ عنّي ويَبعُدِ؟
وحال طَرَفة مع ابن عمه لا يختلف عن أحوال كثيرين مع أقاربهم. خصومات على أمور تافهة، ومقاطعة وهجر بالسنين الطوال على سخافات قديمة، والأسوأ في الأمر، أنّ الأجداد يورِّثون العداوات للأبناء، والأبناء يورثونها للأحفاد كما يورثون أموالهم.
والسؤال الموجع: متى ستنتهي هذه الخصومات إذا كان كل جيل يبذر بذورها المرّة للجيل التالي؟ بل ويتعهد سقيها بالقدوة السيئة في أخلاقه ومعاملته مع أقاربه وغيرهم.
وطَرَفة بن العبد قال في معلقته هذه الحقيقة:
وظُلمُ ذوي القربى أشدُّ مرارةً
على النفْسِ مِن وقْعِ الحُسامِ المهنَّدِ.
نعم، سنوات العُمر هي كنزنا الحقيقي والأثمن، فما بالنا لا نحرص عليها وهي أغلى من قناطير الذهب والفضة؟ وما دمنا نعلَم يقينا أنّ هذا الكنز يتناقص ـ وإن بدا لنا أنه يزيد ـ فلماذا لا نملؤه بما يسعدنا ويسعد من يهمنا أمره، ونجعل سنينه رحلة ممتعة بكل تفاصيلها؟
إنها لخسارة كبرى أن ينشغل الإنسان في عمره المحدود بحماقات لا فائدة منها، بل تجلب له الأمراض الجسدية والنفسية، وتجعله شخصاً مرتبكاً حائراً محيِّراً، علماً بأنه قادر على اختيار الطريق الأيسر والأسعد له.
ولله دَرّ المقَنَّع الكِندي حين قال:
وإنّ الذي بيني وبينَ بَني أَبي
وبينَ بني عمّي لمختلفٌ جدا
فإنْ يأكلوا لحمي وفَرْتُ لحومَهم
وإن يَهدِموا مجدي بنيتُ لهُم مجدا
ولا أحملُ الحقدَ القديمَ عليهمُ
وليسَ كريمُ القومِ مَن يَحملُ الحِقدا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 27 فبراير 2016

سُمّ العادة

يوسف بخيت الزهراني

سُمّ العادة *

لماذا يتسلّل المللُ إلى حياتنا؟ ولماذا يداهم السأمُ العلاقات بين الأزواج والأقارب والأصدقاء؟ سؤالان مهمان يتطلبان وعياً شاملاً وتأملاً عميقاً للوصول إلى إجابتهما، وأنا لا أدّعي امتلاك الوعي والتأمّل، لكن الأمر يستحق محاولة الإجابة مع حضراتكم، لعلنا نصل جميعاً إلى النتيجة المبتغاة.
هناك أسباب عديدة لما يعانيه كثير مِن الناس مِن ملل وسأم، لكن أخطر تلك الأسباب ـ برأيي المتواضع ـ هو أننا نمارس حياتنا اليومية برتابة قاتلة، وكأمور اعتيادية نفعلها بشكل آلي، بلا رغبة فعلية ومحبة حقيقية.
قرأتُ في زمن قديم هذه العبارة الآسرة بمعناها: منتهى السعادة أن تصبح موهبتك هي وظيفتك، وحبيبتك هي زوجتك، وأمَلك هو إيمانك، وحلمك هو شغفك.
في بداية تعلّم الإنسان أيّ أمر، مثل قيادة السيارة أو الكتابة على جهاز الكومبيوتر الشخصي ـ كهذا الذي أكتب لكُم عليه ـ أقول: في بداية تعلّم الإنسان هذين الأمرين أو غيرهما، فإنه يركّز جُلّ اهتمامه على الخطوات الأساسية، ولعله يجد نشوة في بداية الممارسة، ولكن مع الوقت تصبح هذه الأفعال (روتيناً) اعتيادياً، يؤديه الشخصُ حتى أثناء تناوله الطعام أو الحديث مع مَن بجانبه.
وهذا المثال يحاكي ـ كثيراً ـ حياة الإنسان، حيث يجد سعادة في بداية العلاقة الإنسانية، سواء كانت زواجاً أو صداقةً أو في وظيفته ومع زملائه، ثم يلعب الزمن لعبته بغير إدراك مِن صاحبنا الإنسان، فتتحول العلاقات بفعل العادة إلى سُمّ قاتل، يجلب له كآبة لا يَعرف لها سبباً.
ولا يقِل سُمّ العادة خطراً، إذا وصل للعبادة وأفسد روحَها وقضى على الهدف الحقيقي منها، وهو إصلاح الأخلاق وتهذيبها، وحُسن المعاملة مع جميع الكائنات والإحسان إليها، وفي آيات القرآن الكريم الكثير مِن الشواهد على ذلك، يقول الله عز وجل «إنّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر»، ويقول سبحانه «يا أيها الذين ءامَنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين مِن قبلكم لعلكم تتقون».
إنّ التقوى والإنسانية هُما هدفا العبادة في أسمى وأنقى معانيها، وحين تتحول عباداتنا لمجرد أفعال وأقوال معتادة؛ فإن أخلاقنا وأحوالنا لن تنصلح ولو قضى أحدُنا حياتَه مصلياً صائماً، إلا إذا تداركنا أنفسنا، وكان لعبادتنا أثر إيجابي، ينعكس على أقوالنا وأفعالنا وردّات أفعالنا.
قد يقول لي قارئ كريم: تأخرتَ كثيراً يا يوسف، فسُمّ العادة قد خالَط علاقاتي، وأَفسَد طَعم حياتي، وذهب بروح عبادتي، ولن أَكذب عليه حين أجيبه: يا عزيزي، ما دام أنّ أنفاسك تتردّد بصدرك فالحياة أمامك، ونوافذ الأمل مشرعة بوجهك، وخطوط العودة مفتوحة دائماً كما يقال، فتوكّل على خالقك العظيم الرحيم، وانشغِل بإصلاح أمورك، وتدارك ما فاتك، وعِش حياتك بالرضى والطمأنينة، وتأكّد أنك مهما بالغتَ في أمنياتك، فهناك مَن يعلَم السر وأخفَى، وأمْر الكون لديه جلّ شأنه في حرفين: «كُن فيكون».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سُمّ العادة

يوسف بخيت الزهراني

سُمّ العادة *

لماذا يتسلّل المللُ إلى حياتنا؟ ولماذا يداهم السأمُ العلاقات بين الأزواج والأقارب والأصدقاء؟ سؤالان مهمان يتطلبان وعياً شاملاً وتأملاً عميقاً للوصول إلى إجابتهما، وأنا لا أدّعي امتلاك الوعي والتأمّل، لكن الأمر يستحق محاولة الإجابة مع حضراتكم، لعلنا نصل جميعاً إلى النتيجة المبتغاة.
هناك أسباب عديدة لما يعانيه كثير مِن الناس مِن ملل وسأم، لكن أخطر تلك الأسباب ـ برأيي المتواضع ـ هو أننا نمارس حياتنا اليومية برتابة قاتلة، وكأمور اعتيادية نفعلها بشكل آلي، بلا رغبة فعلية ومحبة حقيقية.
قرأتُ في زمن قديم هذه العبارة الآسرة بمعناها: منتهى السعادة أن تصبح موهبتك هي وظيفتك، وحبيبتك هي زوجتك، وأمَلك هو إيمانك، وحلمك هو شغفك.
في بداية تعلّم الإنسان أيّ أمر، مثل قيادة السيارة أو الكتابة على جهاز الكومبيوتر الشخصي ـ كهذا الذي أكتب لكُم عليه ـ أقول: في بداية تعلّم الإنسان هذين الأمرين أو غيرهما، فإنه يركّز جُلّ اهتمامه على الخطوات الأساسية، ولعله يجد نشوة في بداية الممارسة، ولكن مع الوقت تصبح هذه الأفعال (روتيناً) اعتيادياً، يؤديه الشخصُ حتى أثناء تناوله الطعام أو الحديث مع مَن بجانبه.
وهذا المثال يحاكي ـ كثيراً ـ حياة الإنسان، حيث يجد سعادة في بداية العلاقة الإنسانية، سواء كانت زواجاً أو صداقةً أو في وظيفته ومع زملائه، ثم يلعب الزمن لعبته بغير إدراك مِن صاحبنا الإنسان، فتتحول العلاقات بفعل العادة إلى سُمّ قاتل، يجلب له كآبة لا يَعرف لها سبباً.
ولا يقِل سُمّ العادة خطراً، إذا وصل للعبادة وأفسد روحَها وقضى على الهدف الحقيقي منها، وهو إصلاح الأخلاق وتهذيبها، وحُسن المعاملة مع جميع الكائنات والإحسان إليها، وفي آيات القرآن الكريم الكثير مِن الشواهد على ذلك، يقول الله عز وجل «إنّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر»، ويقول سبحانه «يا أيها الذين ءامَنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين مِن قبلكم لعلكم تتقون».
إنّ التقوى والإنسانية هُما هدفا العبادة في أسمى وأنقى معانيها، وحين تتحول عباداتنا لمجرد أفعال وأقوال معتادة؛ فإن أخلاقنا وأحوالنا لن تنصلح ولو قضى أحدُنا حياتَه مصلياً صائماً، إلا إذا تداركنا أنفسنا، وكان لعبادتنا أثر إيجابي، ينعكس على أقوالنا وأفعالنا وردّات أفعالنا.
قد يقول لي قارئ كريم: تأخرتَ كثيراً يا يوسف، فسُمّ العادة قد خالَط علاقاتي، وأَفسَد طَعم حياتي، وذهب بروح عبادتي، ولن أَكذب عليه حين أجيبه: يا عزيزي، ما دام أنّ أنفاسك تتردّد بصدرك فالحياة أمامك، ونوافذ الأمل مشرعة بوجهك، وخطوط العودة مفتوحة دائماً كما يقال، فتوكّل على خالقك العظيم الرحيم، وانشغِل بإصلاح أمورك، وتدارك ما فاتك، وعِش حياتك بالرضى والطمأنينة، وتأكّد أنك مهما بالغتَ في أمنياتك، فهناك مَن يعلَم السر وأخفَى، وأمْر الكون لديه جلّ شأنه في حرفين: «كُن فيكون».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 20 فبراير 2016

زجاجة عِطر

يوسف بخيت الزهراني

زجاجة عِطر *

حواس الإنسان عالَم عجيب يستحق التأمل كثيراً، وأنا لا أقصد فقط الحواس الخَمس التي درسناها صغاراً، فهناك الحواس الداخلية التي نشعر من خلالها بأحاسيس مختلفة، ما بين الحُب والخوف والرجاء، وإحساس النشوة والجوع والألم، ولا أنسى ذلك الشعور الخفيّ الذي نعجز عن قوله أو وصفه، هل تعرفونه أعزائي؟!
لا شك بأنكم مررتم به في يوم من الأيام، وهو يخالجنا بين الحين والآخر، عندما يقول أحدُنا: شعرتُ بشعور غريب، لا أعلم تماماً ما هو!
وهناك المشاعر التي لَم تحدُث لنا، ولكننا نحس باقترابها منا، هكذا بلا سابق إنذار، نجد أنفسنا سعداء متفائلين؛ فتتحقق لنا أشياء سعيدة في الأيام التالية، أو العكس، وكل ذلك بمشيئة الله تعالى وإرادته سبحانه.
وحاسة الشمّ إحدى حواسنا الخَمس، وهي لا تقل أهمية عن بقية الحواس في تكوين الانطباع عن الأماكن والأشخاص، فتنجذب أنفسنا إلى مكان ما أو شخص بعينه أو تهرُب منهما.!
وفي قصة نبي الله يوسف يقول الله تعالى، حكاية عن أبيه يعقوب عليهما السلام «إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون»، وقد أخبرني سيّدي الوالد عليه شآبيب الرحمة عن تأثره بالقصة كثيراً، ولهذا اختار لي اسم يوسف.
إنها لغة الرائحة وما تحمله من رسائل وإشارات، وما تتركه بذاكرتنا من مشاعر وذكريات ترحل بنا بعيداً لسنين مضت وأصبحت ذكرى، وتأخذنا إلى أشخاص وأماكن ومواقف تحتفظ بها عقولنا.
تنتظم زجاجات العطور في غرف نومنا بجوار بعضها، وتتنوع أشكالها وروائحها، تختلف حكاياتنا وذكرياتنا معها، فهذه الزجاجة من حبيب يقيم بالقلب، وتلك من صديق أثير، وزجاجة من عزيز راحل.
حتى تعاملنا مع الزجاجات يختلف، فنلاحظ أن إحداها على وشك أن ينتهي منها العطر، لكثرة ما نستخدمها، ولأنها غالية في ذكراها، ولدينا الرغبة أن نستعيد تلك الذكرى كلما تسلّل عبيرها إلى أنوفنا، بينما الأخرى كاملة لم نستخدمها، ربما لأننا نهرب مِن ذكراها المؤلمة والمحزنة، لعلها لحبيب هجرنا، أو لعزيز فارقنا بالموت، والثالثة تنتهي سريعاً لكننا نشتريها مجدداً، لشعورنا معها بحياة مختلفة لأسباب وأسرار نحتفظ بها.!
أيها الأعزاء، زجاجات العطر ليست مجرد هدايا جامدة، بل هي مرايا لمراحل حياتنا، نشاهد فيها وجوه مَن أحببناهم وأحبونا، ووجوه مَن هجرونا بلا سبب، ووجوه مَن انقضت أعمارهم وانتقلوا إلى رحمة الله تعالى، فإذا شممنا رائحة أحبائنا انتعشت فينا مشاعر الفرح، أما إن باغتتنا رائحة مَن تركونا فإن الغصة تعتصر قلوبنا، وإذا عبقت روائح الراحلين لفّتنا مشاعر الألم.
العطر رفيقنا الدائم، وملهمنا الأثير، نرشه على أيدينا وملابسنا، نتنفس الرائحة عميقاً، تتبعها آهات لا نستطيع رَدّها، يسرح معها الخيال بعيداً، تنتهي زجاجة العطر وتبقى ذكرياتها، ترافقنا في أيام السعادة وليالي الشوق، لتصنع لنا حياةً موازية، عابقة بشذى الفرح وممزوجة بعبير الذكريات.!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال منشور في صحيفة الرؤية الإماراتية.
للتواصل مع الكاتب:
تويتر yba13@

بريد إليكتروني:
anayba2013@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للمزيد من المقالات، يمكنكم لمس صورة الكاتب الشخصيّة أعلى هذه الصفحة.
كما يوجد سهم أسفل الصفحة يسار هذا شكله > باللّمس عليه تظهر المقالات الأقدم.
وسهم آخَر بهذا الشكل < أسفل الصفحة يمين للعودة للمقالات السابقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقة التعليق على المقال:
الذهاب تحت المقال
ثم اختيار: إرسال تعليق
وكتابة التعليق المرغوب، مع أهمية كتابة الاسم والمدينة أو الدولة في أعلى التعليق.
ثم الذهاب إلى خانة: التعليق بِاسم، لاختيار ملف التعريف.
واختيار: مجهول
ثم الاستمرار في إجراءات سهلة، كوضع علامة √ على بعض الصور.
ثم: نشر.
شكرًا دائمًا للجميع ღ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ